الفصل السادس فيما ورد من قوله - تعالى - : في جهته - صلى الله عليه وسلم - مورد الشفقة ، والإكرام
قال - تعالى - : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ طه 1 - 2 ] قيل : طه : اسم من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : هو اسم الله ، وقيل : معناه يا رجل . وقيل : يا إنسان وقيل : هي حروف مقطعة لمعان .
وقال الواسطي : أراد يا طاهر ، يا هادي ، وقيل : هو أمر من الوطء ، والهاء كناية عن الأرض ، أي اعتمد على الأرض بقدميك ، ولا تتعب نفسك بالاعتماد على قدم واحد ، وهو ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ طه : 2 ] . نزلت الآية فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكلفه من السهر ، والتعب ، وقيام الليل . قوله - تعالى - :
أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن وغير واحد ، عن القاضي إجازة ، ومن أصله نقلت أبي الوليد الباجي
[ ص: 139 ] قال : حدثنا أبو ذر الحافظ ، حدثنا أبو محمد الحموي ، حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد بن حميد هاشم بن القاسم ، عن أبي جعفر ، عن ، قال : [ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام على رجل ، ورفع الأخرى ، فأنزل الله - تعالى - : طه [ طه : 1 ] يعني طأ الأرض يا الربيع بن أنس محمد ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ طه : 2 ] ، ولا خفاء بما في هذا كله من الإكرام ، وحسن المعاملة ، وإن جعلنا طه من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - كما قيل ، أو جعلت قسما لحق الفصل بما قبله ، ومثل هذا من نمط الشفقة ، والمبرة قوله - تعالى - : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [ الكهف : 6 ] ، أي قاتل نفسك لذلك غضبا أو غيظا ، أو جزعا ، ومثله قوله - تعالى - : أيضا : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين [ الشعراء : 3 ] ، ثم قال تعالى : إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين [ الشعراء : 4 ] ، ومن هذا الباب قوله - تعالى - : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين [ الحجر : 94 ] إلى قوله تعالى : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون [ الحجر : 97 ] إلى آخر السورة ، وقوله تعالى : ولقد استهزئ برسل من قبلك [ الأنعام : 10 ] . قال : سلاه بما ذكر ، وهون عليه ما يلقى من المشركين ، وأعلمه أن من تمادى على ذلك يحل به ما حل بمن قبله ، ومثل هذه التسلية قوله - تعالى - : مكي وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك [ فاطر : 4 ] ، ومن هذا قوله - تعالى - : كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون [ الذاريات : 52 ] . عزاه الله - تعالى - بما أخبر به عن الأمم السالفة ، ومقالتها لأنبيائهم قبله ، ومحنتهم بهم ، وسلاه بذلك من محنته بمثله من كفار مكة ، وأنه ليس أول من لقي ذلك ، ثم طيب نفسه ، وأبان عذره بقوله - تعالى - : فتول عنهم [ الذاريات : 54 ] ، أي أعرض عنهم ، فما أنت بملوم [ الذاريات : 54 ] ، أي في أداء ما بلغت ، وإبلاغ ما حملت ، ومثله واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا [ الطور : 48 ] ، أي اصبر على أذاهم فإنك بحيث نراك ، ونحفظك . سلاه الله - تعالى - بهذا في آي كثيرة من هذا المعنى . قوله - تعالى - :