قال : وهو على ثلاث درجات : الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=19651أن يعلم أن العبد لا يملك قبل عمله استطاعة . فلا يأمن من مكر ، ولا ييأس من معونة ، ولا يعول على نية .
أي يتحقق أن استطاعته بيد الله ، لا بيده ، فهو مالكها دونه . فإنه إن لم يعطه الاستطاعة فهو عاجز . فهو لا يتحرك إلا بالله ، لا بنفسه . فكيف يأمن المكر ، وهو محرك لا محرك ؟ يحركه من حركته بيده ، فإن شاء ثبطه وأقعده مع القاعدين .
كما قال فيمن منعه هذا التوفيق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ) .
فهذا
nindex.php?page=treesubj&link=19652مكر الله بالعبد : أن يقطع عنه مواد توفيقه . ويخلي بينه وبين نفسه ، ولا يبعث دواعيه ، ولا يحركه إلى مراضيه ومحابه . وليس هذا حقا على الله . فيكون ظالما بمنعه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . بل هو مجرد فضله الذي يحمد على بذله لمن بذله ، وعلى منعه لمن منعه إياه . فله الحمد على هذا وهذا .
ومن فهم هذا فهم بابا عظيما من سر القدر ، وانجلت له إشكالات كثيرة . فهو سبحانه لا يريد من نفسه فعلا يفعله بعبده يقع منه ما يحبه ويرضاه . فيمنعه فعل نفسه به ، وهو توفيقه ؛ لأنه يكرهه ، ويقهره على فعل مساخطه ، بل يكله إلى نفسه وحوله وقوته ، ويتخلى عنه . فهذا هو المكر .
قوله : ولا ييأس من معونة ، يعني إذا كان المحرك له هو الرب جل جلاله . وهو أقدر القادرين . وهو الذي تفرد بخلقه ورزقه . وهو أرحم الراحمين . فكيف ييأس من معونته له ؟
قوله : ولا يعول على نية ، أي لا يعتمد على نيته وعزمه ، ويثق بها . فإن نيته وعزمه
[ ص: 141 ] بيد الله تعالى لا بيده . وهي إلى الله لا إليه . فلتكن ثقته بمن هي في يده حقا ، لا بمن هي جارية عليه حكما .
قَالَ : وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ : الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=19651أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ قَبْلَ عَمَلِهِ اسْتِطَاعَةً . فَلَا يَأْمَنُ مِنْ مَكْرٍ ، وَلَا يَيْأَسُ مِنْ مَعُونَةٍ ، وَلَا يُعَوِّلُ عَلَى نِيَّةٍ .
أَيْ يَتَحَقَّقُ أَنَّ اسْتِطَاعَتَهُ بِيَدِ اللَّهِ ، لَا بِيَدِهِ ، فَهُوَ مَالِكُهَا دُونَهُ . فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُعْطِهِ الِاسْتِطَاعَةَ فَهُوَ عَاجِزٌ . فَهُوَ لَا يَتَحَرَّكُ إِلَّا بِاللَّهِ ، لَا بِنَفْسِهِ . فَكَيْفَ يَأْمَنُ الْمَكْرَ ، وَهُوَ مُحَرَّكٌ لَا مُحَرِّكٌ ؟ يُحَرِّكُهُ مَنْ حَرَكَتُهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ شَاءَ ثَبَّطَهُ وَأَقْعَدَهُ مَعَ الْقَاعِدِينَ .
كَمَا قَالَ فِيمَنْ مَنَعَهُ هَذَا التَّوْفِيقَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=46وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ) .
فَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19652مَكْرُ اللَّهِ بِالْعَبْدِ : أَنْ يَقْطَعَ عَنْهُ مَوَادَّ تَوْفِيقِهِ . وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ ، وَلَا يَبْعَثَ دَوَاعِيهِ ، وَلَا يُحَرِّكَهُ إِلَى مِرَاضَيْهِ وَمَحَابِّهِ . وَلَيْسَ هَذَا حَقًّا عَلَى اللَّهِ . فَيَكُونُ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا . بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ فَضْلِهِ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَى بَذْلِهِ لِمَنْ بَذَلَهُ ، وَعَلَى مَنْعِهِ لِمَنْ مَنْعَهُ إِيَّاهُ . فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى هَذَا وَهَذَا .
وَمَنْ فَهِمَ هَذَا فَهِمَ بَابًا عَظِيمًا مِنْ سِرِّ الْقَدَرِ ، وَانْجَلَتْ لَهُ إِشْكَالَاتٌ كَثِيرَةٌ . فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يُرِيدُ مِنْ نَفْسِهِ فِعْلًا يَفْعَلُهُ بِعَبْدِهِ يَقَعُ مِنْهُ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ . فَيَمْنَعُهُ فِعْلَ نَفْسِهِ بِهِ ، وَهُوَ تَوْفِيقُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكْرَهُهُ ، وَيَقْهَرُهُ عَلَى فِعْلِ مَسَاخِطِهِ ، بَلْ يَكِلُهُ إِلَى نَفْسِهِ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ، وَيَتَخَلَّى عَنْهُ . فَهَذَا هُوَ الْمَكْرُ .
قَوْلُهُ : وَلَا يَيْأَسُ مِنْ مَعُونَةٍ ، يَعْنِي إِذَا كَانَ الْمُحَرِّكُ لَهُ هُوَ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ . وَهُوَ أَقْدَرُ الْقَادِرِينَ . وَهُوَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِخَلْقِهِ وَرِزْقِهِ . وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَكَيْفَ يَيْأَسُ مِنْ مَعُونَتِهِ لَهُ ؟
قَوْلُهُ : وَلَا يُعَوِّلُ عَلَى نِيَّةٍ ، أَيْ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى نِيَّتِهِ وَعَزْمِهِ ، وَيَثِقُ بِهَا . فَإِنَّ نِيَّتَهُ وَعَزْمَهُ
[ ص: 141 ] بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِيَدِهِ . وَهِيَ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَيْهِ . فَلْتَكُنْ ثِقَتُهُ بِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ حَقًّا ، لَا بِمَنْ هِيَ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا .