( وأما ) المبهم : فنحو أن فإن لم يكن له نية يقع على ستة أشهر ; لأن الحين يذكر ويراد به الوقت القصير . يحلف أن لا يكلم فلانا زمنا أو حينا أو الزمان أو الحين
قال الله تعالى { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } قيل : حين تمسون صلاة المغرب والعشاء ، وحين تصبحون صلاة الفجر ، ويذكر ويراد به الوقت الطويل .
قال الله تعالى { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } قيل : المراد منه أربعون سنة ، ويذكر ويراد به الوسط .
قال الله تعالى { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } قيل : أي ستة أشهر من وقت طلوعها إلى وقت إدراكها .
قال رضي الله عنهما : هي النخلة ، ثم عند الإطلاق لا يحمل على الوقت القصير ; لأن اليمين تعقد للمنع ولا حاجة إلى اليمين للمنع في مثل هذه المدة ; لأنه يمنع بدون اليمين ، ولا يحمل على الطويل ; لأنه لا يراد ذلك عادة ، ومن أراد ذلك بلفظة الأبد فتعين الوسط . ابن عباس
وكذا روي عن رضي الله عنهما أنه حمله على ذلك ، ولأن كل واحد من الطرفين في غاية البعد عن صاحبه والوسط قريب منهما فيحمل عليه ، وإذا ثبت هذا في الحين ثبت في الزمان لكونهما من الأسماء المترادفة ، وعن ابن عباس ثعلب أن الزمان في كلام العرب ستة أشهر ، وإن نوى الحالف شيئا مما ذكرنا فهو على ما نوى ; لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولفظه لما بينا ، ومنهم من قال يصدق في الوقت اليسير في الحين ولا يصدق في الزمان ; لأنه قد ثبت استعمال اللفظ في اليسير في الحين كما في قوله تعالى { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } ولم يثبت في الزمان .
وذكر في الجامع عن الكرخي أنه يدين في الزمان والحين في كل ما نوى من قليل أو كثير وهو الصحيح . أبي حنيفة
وروي عن أنه لا يدين فيما دون ستة أشهر في القضاء ، ولو قال : لا أكلمه دهرا والدهر فقال أبي يوسف : إن كانت له نية فهو على ما نوى ، وإن لم تكن له نية فلا أدري ما الدهر ؟ . أبو حنيفة
وقال أبو يوسف : إذا قال دهرا فهو ستة أشهر ، وإذا قال الدهر فهو على الأبد ، ومن مشايخنا من قال : لا خلاف في الدهر المعروف أنه الأبد ، وإنما توقف ومحمد رضي الله عنه في الدهر المنكر فإنه قال : إذا قال دهرا لا أدري ما هو ؟ وذكر في الجامع الكبير أن قوله الدهر ينصرف إلى جميع العمر ولم يذكر فيه الخلاف ، وقوله دهرا لا يدرى تفسيره ، وفي الجامع الصغير أشار إلى التوقف في الدهر المعرف أيضا فإنه قال : والدهر لا أدري ما هو . أبو حنيفة
وروى بشر عن عن أبي يوسف في قوله دهرا والدهر أنهما سواء فهما جعلا قوله دهرا كالحين والزمان لأنه يستعمل استعمال الحين والزمان ، يقال : ما رأيتك من دهر وما رأيتك من حين على السواء ، فإذا أدخل عليه الألف واللام صار عبارة عن جميع الزمان . أبي حنيفة
وروي عن أن قوله الدهر يقع على ستة أشهر لكنه خلاف ظاهر الرواية عنهما أبي يوسف كأنه رأى الاستعمال مختلفا فلم يعرف مراد المتكلم عند إطلاق الاسم فتوقف . وأبو حنيفة
وقال لا أدري أي لا أدري بماذا يقدر إذ لا نص فيه عن أحد من أرباب اللسان ؟ بخلاف الحين والزمان فإن فيهما نصا عن رضي الله عنهما فإنه فسر قوله تعالى : { ابن عباس تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } بستة أشهر والزمان والحين ينبئان عن معنى واحد ، وهذا على قول من قال من مشايخنا إنه توقف في المنكر لا في المعرف أو لم يعرف حقيقة معناه لغة فتوقف فيه ، والتوقف فيما لا يعرف لعدم دليل المعرفة ولتعارض الأدلة وانعدام ترجيح البعض على البعض أمارة كمال العلم وتمام الورع ، فقد روي أن رضي الله عنهما سئل عن شيء فقال لا أدري ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عمر سئل عن أفضل البقاع فقال : لا أدري فلما نزل جبريل عليه الصلاة والسلام سأله فعرج إلى السماء ثم هبط فقال : سألت ربي - عز وجل - عن أفضل البقاع فقال : المساجد ، وأفضل أهلها من جاءها أولا وانصرف آخرا وشر أهلها من جاءها آخرا [ ص: 51 ] وانصرف أولا } .