وأما مسائل النوع الثاني من الاستثناء ، وهو تعليق الطلاق بمشيئة الله عز وجل فنقول : إذا يصح الاستثناء ، ولا يقع الطلاق ، سواء قدم الطلاق على الاستثناء في الذكر بأن قال : أنت طالق إن شاء الله أو أخره عنه بأن قال : إن شاء الله تعالى فأنت طالق ، وهذا قول عامة العلماء . علق طلاق امرأته بمشيئة الله
وقال : لا يصح الاستثناء ، والطلاق واقع ، وعلى هذا تعليق العتق ، والنذر ، واليمين بمشيئة الله سبحانه ، وتعالى . مالك
وجه قوله أن هذا ليس تعليقا بشرط ; لأن الشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود ، ومشيئة الله تعالى أزلية لا تحتمل العدم فكان هذا تعليقا بأمر كائن فيكون تحقيقا لا تعليقا كما لو قال : أنت طالق إن كانت السماء فوقنا ، ولنا قوله عز وجل خبرا عن موسى عليه ، وعلى نبينا أفضل الصلاة ، والسلام { ستجدني إن شاء الله صابرا } وصح استثناؤه حتى لم يصر بترك الصبر مخلفا في الوعد .
ولولا صحة الاستثناء لصار مخلفا في الوعد بالصبر ، والخلف في الوعد لا يجوز ، والنبي معصوم .
وقال سبحانه ، وتعالى { ، ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } أي إلا أن تقول إن شاء الله ، ولو لم يحصل به صيانة الخبر عن الخلف في الوعد لم يكن للأمر به معنى .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } ، وهذا نص في الباب . من حلف بطلاق أو عتاق ، وقال : إن شاء الله فلا حنث عليه
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : { } ; ولأن تعليق الطلاق بمشيئة الله تعالى تعليق بما لا يعلم وجوده ; لأنا لا ندري أنه شاء وقوع هذا الطلاق أو لم يشأ ، على معنى أن وقوع هذا الطلاق هل دخل تحت مشيئة الله تعالى أو لم يدخل ؟ فإن دخل وقع ، وإن لم يدخل لا يقع ; لأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فلا يقع بالشك ، وبه تبين أن هذا ليس تعليقا بأمر كائن ; ولأن دخول الوقوع تحت مشيئة الله تعالى غير معلوم ، وهذا هو تفسير تعليق الطلاق بمشيئة الله عز وجل ، ومن الناس من فرق بين الطلاق ، والعتاق فقال : لا يقع الطلاق ، ويقع العتاق ، وزعم بأنه لم توجد المشيئة في الطلاق ، ووجدت في العتاق ; لأن الطلاق مكروه الشرع ، والعتق مندوب إليه ، وهذا هو مذهب من استثنى فله ثنياه المعتزلة أن إرادة الله تعالى تتعلق بالقرب ، والطاعات لا بالمكان ، والمعاصي ، وأن الله تعالى أراد كل خير وصلاح من العبد ثم العبد قد لا يفعله لسوء اختياره ، وبطلان مذهبهم يعرف في مسائل الكلام ثم أنهم ناقضوا حيث قالوا فيمن حلف فقال : لأصومن غدا إن شاء الله تعالى أو قال : لأصلين ركعتين أو لأقضين دين فلان فمضى الغد ، ولم يفعل شيئا من ذلك أنه لا يحنث ، ولو شاء الله تعالى كل خير لحنث ; لأن هذه الأفعال خيرات وقد شاءها عندهم ، وكذلك لو قال : أنت طالق لو شاء الله تعالى أو قال أن لو يشاء الله تعالى لما قلنا .
وكذا لو قال إلا أن يشاء الله ; لأن معناه إلا أن يشاء الله أن لا يقع وذلك غير معلوم .
وكذا لو قال : ما شاء الله تعالى ; لأن معناه الذي شاءه الله ، تعالى .
ولو يكون المستثنى كقوله إن شاء الله تعالى ; لأن هذا في الحقيقة تعليق بعدم دخول الوقوع تحت مشيئة الله تعالى . قال : أنت [ ص: 158 ] طالق إن لم يشأ الله تعالى
وذلك غير معلوم ، ولو قال : أنت طالق ، وإن شاء الله أو قال : فإن شاء الله تعالى لم يكن استثناء عند ; لأنه حال بين الطلاق ، وبين الاستثناء - حرف - هو حشو - فيصير فاصلا بمنزلة السكتة فيمنع التعليق بالشرط فيقع في الحال . أبي يوسف