ومن هذا القبيل عند بعض مشايخنا ; لأنه تعليق معنى لا صورة ولا يثبت العتق في أحدهما قبل الاختيار وإنما ثبت عند الاختيار في أحدهما عينا وهو الذي يختار العتق فيه مقصورا على الحال كأنه علق عتق أحدهما بشرط اختيار العتق فيه كالتعليق بسائر الشروط ومن دخول الدار وغير ذلك إلا أنه ثمة الشرط يدخل على السبب والحكم جميعا وههنا يدخل على الحكم لا على السبب كالتدبير والبيع بشرط الخيار كذا قال بعض مشايخنا في كيفية الإعتاق المضاف إلى المجهول وبعضهم نسب هذا القول الإعتاق المضاف إلى المجهول ويقال : إنه قول لأبي يوسف أيضا وقال بعضهم : هو تنجيز العتق في غير العتق للحال واختيار العتق في أحدهما بيان وتعيين لمن وقع عليه العتق بالكلام السابق من حين وجوده وبعضهم نسب هذا القول إلى أبي حنيفة والحاصل أن الخلاف في كيفية هذا التصرف على الوجه الذي وصفنا غير منصوص عليه من أصحابنا لكنه مدلول عليه ومشار إليه أما الدلالة فإنه ظهر الاختلاف بين محمد ومحمد في الطلاق فيمن أبي يوسف أن العدة تعتبر من وقت الاختيار في قول قال لامرأتيه : إحداكما طالق ، والعدة إنما تجب من وقت وقوع الطلاق فيدل على أن الطلاق لم يكن واقعا وإنما يقع عند الاختيار مقصورا عليه وفي قول أبي يوسف تعتبر من وقت الكلام السابق وهذا يدل على أن الطلاق قد وقع من حيث وجوده ، وإنما الاختيار بيان وتعيين لمن وقع عليها الطلاق وأما الإشارة فإنه روي عن محمد أنه قال : إذا أعتق أحد عبديه تعلق العتق بذمته ويقال له : أعتق ، وهذا إشارة إلى أن العتق غير نازل في المحل ; إذ لو كان نازلا لما كان معلقا بالذمة ومعنى قوله : يقال له أعتق أي : اختر العتق لإجماعنا على أنه لا يكلف بإنشاء الإعتاق ، وذكر أبي يوسف في الزيادات يقال له : بين ، وهذا إشارة إلى الوقوع في غير المعين ; لأن البيان للموجود لا للمعدوم وإلى هذا ذهب محمد الكرخي وحققا الاختلاف بين والقدوري أبي يوسف إلا أن ومحمد القدوري حكى عن أنه كان يفرق بين العتاق والطلاق فيجعل الاختيار بيانا في الطلاق بالإجماع من قبل أن العتاق يحتمل الثبوت في الذمة والطلاق لا يحتمل قال : وكان غيره من أصحابنا يسوي بينهما ; لأن الطلاق أيضا يحتمل الثبوت في الذمة في الجملة . الكرخي
ألا ترى أن الفرقة واجبة على العنين وإنما يقوم القاضي مقامه في التفريق وهو الصحيح أنهما يستويان ; لأن تعلق العتق بالذمة ليس معناه إلا انعقاد سبب الوقوع من غير وقوع وهو معنى حق الحرية دون [ ص: 69 ] الحقيقة وهما في هذا المعنى مستويان ، وجه القول الأول أن قوله أحدكما حر تنجيز الحرية في أحدهما وليس بتعليق حقيقة لانعدام حرف التعليق إلا أنه تنجيز في غير المعين فيتعين بالاختيار ، ووجه القول الثاني أن العتق إما أن يثبت باختيار العتق وإما أن يثبت بالكلام السابق ، والثاني لا سبيل إليه ; لأن اختيار العتق لم يعرف إعتاقا في الشرع ; ألا ترى أنه لو قال لعبده : اخترت عتقك لا يعتق فلا بد وأن يثبت بالكلام السابق فلا يخلو : إما أن يثبت حال وجوده في أحدهما غير عين ويتعين باختياره وإما أن يثبت عند وجود الاختيار في أحدهما عينا وهو تفسير التعليق بشرط الاختيار لا وجه للأول ; لأنه ربما يختار غير الحر فيلزم القول بانتقال الحرية من الحر إلى الرقيق ، أو انتقال الرق من الرقيق إلى الحر أو استرقاق الحر والأول محال والثاني غير مشروع فتعين الثاني ضرورة وهي أن يثبت العتق عند وجود الاختيار بالكلام السابق مقصورا على حال الاختيار وهو تفسير التعليق ثم القائلون بالبيان اختلفوا في كيفية البيان منهم من قال : البيان إظهار محض ومنهم من قال : هو إظهار من وجه وإنشاء من وجه واستدلوا بما ذكر في الزيادات في موضع يقال له : بين ، وفي موضع يقال له : أعتق ، وزعموا أن المسائل تتخرج عليه وهذا غير سديد ; لأن القول الواحد لا يكون إظهارا وإنشاء ; إذ الإنشاء إثبات أمر لم يكن والإظهار إبداء أمر قد كان وبينهما تناف وثمرة هذا الاختلاف تظهر في الأحكام وإنها في الظاهر متعارضة : بعضها يدل على صحة القول الأول وبعضها يدل على صحة القول الثاني ونحن نشير إلى ذلك إذا انتهينا إلى بيان حكم الإعتاق وبيان وقت ثبوت حكمه فأما ترجيح أحد القولين على الآخر وتخرج المسائل عليه فمذكوران في الخلافيات . محمد