وأما الدلالة فهي أن يخرج المولى أحدهما عن ملكه بالبيع أو بالهبة أو بالصدقة أو بإنشاء العتق ، أو يرهن أحدهما أو يؤاجر أو يكاتب أو يدبر أو يستولد إن كانت أمة ; لأن الأصل أن من خير بين أمرين ففعل ما يستدل به على اختياره أحدهما ، يجعل ذلك اختيارا منه دلالة ويقوم ذلك مقام النص كأنه قال : اخترت ، والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لبريرة : { } لما أن تمكينها زوجها من الوطء دليل اختيارها زوجها لا نفسها ; فصار هذا أصلا في الباب ، وهذه التصرفات كلها في أحدهما دليل اختيار العتق في الآخر ; لأن منها ما ينافي اختيار العتق المبهم في المتصرف فيه وهي التصرفات المزيلة للملك ومنها ما لا ينافي اختيار العتق المبهم في المتصرف فيه ، لكن اختيار العتق المبهم فيه يبطله : وهو الرهن والإجارة والكتابة والتدبير والاستيلاد . إن وطئك زوجك ، فلا خيار لك
والعاقل يقصد صحة تصرفاته وسلامتها عن الانتقاض والبطلان ; فكان إقدامه على كلا النوعين من التصرفات في أحدهما دليلا على اختياره العتق المبهم في الآخر ، واختياره العتق المبهم في أحدهما عينا شرط لنزول العتق فيه بالكلام السابق .
وهذا التخريج على قول من يقول : إن العتق غير نازل في العين فيهما .
فأما على قول من يقول بنزول العتق في أحدهما غير عين فهو أن هذه التصرفات لا صحة لها بدون الملك فالإقدام عليها يكون اختيارا للملك في المتصرف فيه فتعين الآخر ; فيعتق ضرورة من غير اختيار المولى نصا ودلالة ، كما إذا ، وسواء كان البيع بتا أو فيه خيار للبائع أو للمشتري أما على مذهب التنجيز ; فلأنه لا صحة للبيع إلا بالملك فكان إقدامه على بيع أحدهما اختيارا إياه للملك ; فيتعين الآخر للعتق ضرورة . مات أحدهما قبل الاختيار أو قتل
وأما على مذهب التعليق ، أما خيار المشتري فلا يمنع زوال المبيع عن ملكه بلا خلاف فينا في اختيار العتق المبهم فيه .
وأما اختيار البائع ; فلأن اختيار العتق المبهم يبطل شرط الخيار ، وسواء كان البيع صحيحا أو فاسدا إذا قبض المشتري ; لأنه وقع مزيلا للملك فيتعين الآخر للعتق دلالة أو ضرورة ، وأما إذا لم يقبض فقد ذكر في الأصل ، عتق الباقي ولم يذكر أنه إذا لم يقبض ماذا حكمه ؟ وهكذا ذكر إذا باع أحدهما بيعا فاسدا وقبض المشتري في الإملاء إذا محمد ، عتق الآخر عند وهب أحدهما وأقبضه أو تصدق وأقبض أبي حنيفة وعندنا ، ولم يذكر حال عدم القبض ، وذكر وأبي يوسف أن القبض ليس بشرط ويتعين العتق في الآخر سواء قبض المشتري أو لم يقبض ، وهكذا ذكر الجصاص وقال : قد ظهر القول من أصحابنا أنه القدوري ، وقع العتق في الآخر ، وهكذا روى إذا ساوم بأحد العبدين عن ابن سماعة أنه لو أبي يوسف ، عتق الآخر ومعلوم أن المساومة دون البيع الفاسد فالسوم لما كان بيانا فالبيع أولى ، وبه تبين أن ذكر القبض في الأصل ليس على سبيل الشرط بل وقع ذكره اتفاقا أو إشعارا ، أنه مع القبض من التصرفات المزيلة للملك ، ولو أوصى بأحدهما أو ساوم بأن قال له : إن دخلت الدار فأنت حر ، عتق الآخر أما على مذهب التنجيز ; فلأن التعليق بما سوى الملك وسببه لا يصح إلا في الملك ; فكان الإقدام على تعليق عتقه اختيارا للملك فيه فيتعين الآخر للعتق ضرورة [ ص: 104 ] كما لو نجز العتق في أحدهما . علق عتق أحدهما عينا بشرط
وأما على مذهب التعليق ; فلأن اختيار العتق المبهم فيه يبطل التعليق بالشرط فصار كما لو دبر أحدهما ، وذكر عن ابن سماعة أنه إذا محمد ، الآخر ; لأن ملك المولى زال عن أحدهما لسبب من جهته فصار كما لو أعتقه ابتداء أو باعه . قال لأحدهما : إن دخلت الدار فأنت حر ، ثم قال : أحدكما حر ، ثم دخل الذي علق عتقه بدخول الدار حتى عتق