( فصل ) :
وأما فالذي يتملكه الشفيع بالشفعة هو الذي ملكه المشتري بالشراء سواء ملكه أصلا أو تبعا بعد أن يكون متصلا وقت التملك بالشفعة ، وذلك نحو البناء والغرس والزرع والثمر وهذا استحسان [ ص: 28 ] والقياس أن لا يؤخذ البناء والغرس والزرع والثمر بالشفعة . بيان ما يتملك بالشفعة
( وجه ) القياس أن الشفيع إنما يتملك ما يثبت له فيه حق الشفعة وأنه يثبت في العقار لا في المنقول وهذه الأشياء منقولة فلم يثبت فيها الحق فلا تتملك بالشفعة وخاصة الزرع والثمر ; لأنهما مبيعان ومقصودان لا يدخلان في العقد من غير تسمية فلم يثبت الحق فيهما لا أصلا ولا تبعا ، ولنا أن الحق إذا ثبت في العقار يثبت فيما هو تبع له ; لأن حكم التبع حكم الأصل ، وهذه الأشياء تابعة للعقار حالة الاتصال أما البناء والغرس فظاهران ; لأن قيامهما بالأرض وكذلك الزرع والثمر ; لأن قيام الزرع وقيام الثمر بالشجر وقيام الشجر بالأرض فكان تبعا للأرض بواسطة الشجر فيثبت الحق فيهما تبعا فيملكهما بالشفعة بطريق التبعية إلا أنهما لا يدخلان في العقد إلا بالتسمية مع وجود التبعية حقيقة بالنص وهو ما سنروي في كتاب البيوع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { } . من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع
فما دام البناء والشجر متصلا بالأرض فللشفيع أن يأخذ الأرض معه بالثمن الأول وكذا له أن يأخذ الأرض مع الثمر والزرع بالثمن الأول بقلا كان الزرع أو مستحصدا إذا كان متصلا ، فأما إذا زال الاتصال ثم حضر الشفيع فلا سبيل للشفيع عليه ، وإن كان عينه قائمة سواء كان الزوال بآفة سماوية أو بصنع المشتري أو الأجنبي ; لأن حق الشفعة في هذه الأشياء إنما ثبت معدولا به عن القياس معلولا بالتبعية وقد زالت التبعية بزوال الاتصال فيرد الحكم فيه إلى أصل القياس ، وهل يسقط عن الشفيع حصته من الثمن ؟ هذا لا يخلو إما إن كان مما يدخل في العقد من غير تسمية وإما إن كان مما لا يدخل فيه إلا بالتسمية فإن كان مما يدخل في العقد من غير تسمية كالبناء والشجر ينظر ; إن كان زوال الاتصال بآفة سماوية بأن احترق البناء أو غرق أو جف شجر البستان لا يسقط شيء من الثمن والشفيع يأخذ الأرض بجميع الثمن إن شاء أخذ وإن شاء ترك .
وكذلك لو انهدمت الدار سواء بقي عين النقض أو هلك كذا ذكر رحمه الله في مختصره وسوى بينه وبين الغرق والحرق ، وفرق القدوري رحمه الله فقال : إن احترق أو غرق ولم يبق منه شيء لا يسقط شيء من الثمن ، وإن انهدم يسقط عن الشفيع حصته من الثمن ، وسوى بينه وبين ما إذا انهدم بفعل المشتري أو الأجنبي لكنه فرق بينهما من وجه آخر وهو أن هناك تعتبر قيمته متصلا فيقسم الثمن على قيمة البناء مبنيا وعلى قيمة الأرض فيأخذ الأرض بحصتها من الثمن وههنا يعتبر منفصلا ساقطا ويسقط ذلك القدر من الثمن . الكرخي
والصحيح ما ذكره رحمه الله ; لأن البناء تبع والأتباع لا حصة لها من الثمن إلا أن تصير مقصودة بالفعل وهو الإتلاف والقبض ولم يوجد ; ولهذا لو احترق أو غرق لا يسقط شيء من الثمن ، كذا هذا وإن كان زوال الاتصال بفعل المشتري أو أجنبي بأن انهدم البناء أو قطع الشجر تسقط حصته من الثمن ; لأنه صار مقصودا بالإتلاف فصار له حصة من الثمن كأطراف العبد ويقسم الثمن على البناء مبنيا وعلى قيمة الأرض ; لأنه إنما يسقط حصة البناء فصار مضمونا عليه بفعله وهو الهدم والهدم صادفه وهو مبني فتعتبر قيمته مبنيا بخلاف ما إذا انهدم بنفسه على رواية القدوري رحمه الله ; لأنه انهدم لا بصنع أحد فيعتبر حاله يوم الانهدام ، ولو لم يهدم المشتري البناء لكنه باعه بغير أرض ثم حضر الشفيع كان أحق بالبناء والأرض فيأخذ وينتقض البيع في البناء ; لأنه باع البناء . الكرخي
وحق الشفيع متعلق به تبعا للأرض لوجود الاتصال فكان سبيلا من إبطال البيع كما لو باع الأصل - وهو الأرض - ثم حضر الشفيع أن له أن يأخذ ، وينتقض البيع كما قلنا ، كذا هذا .
وإن كان مما لا يدخل في العقد إلا بالتسمية كالثمر والزرع يسقط عن الشفيع حصته من الثمن سواء كان زوال الاتصال بصنع العبد أو بآفة سماوية بخلاف الفصل الأول إذا احترق البناء أو غرق أو انهدم على رواية رحمه الله أنه لا يسقط شيء من الثمن ; لأن البناء مبيع تبعا لا مقصودا لثبوت حكم البيع فيها تبعا لا مقصودا بالتسمية ، والأتباع ما لها حصة من الثمن إلا إذا صارت مقصودة بالفعل ولم يوجد ، فأما الثمر والزرع فكل واحد منهما مبيع مقصود ألا يرى أنه لا يدخل في العقد من غير تسمية ؟ فلا بد وأن يخصه شيء من الثمن فإن هلك يهلك بحصته من الثمن سواء هلك بنفسه أو بالاستهلاك لما قلنا ، وتعتبر قيمته يوم العقد ; لأنه أخذ الحصة بالعقد فتعتبر قيمته يوم العقد فيقسم الثمن على قيمة [ ص: 29 ] الأرض وعلى قيمة الزرع وقت العقد لكنه القدوري ؟ روي عن كيف تعتبر قيمتها يوم العقد مفصولا مجذوذا أم قائما أنه تعتبر قيمة الزرع وهو بقل مفصول ومجذوذ فيسقط عنه ذلك القدر . أبي يوسف
وروي عن في النوادر أنه يعتبر قيمته قائما فتقوم الأرض وفيها الزرع والثمر وتقوم وليس فيها الزرع والثمر فيسقط عن الشفيع ما بين ذلك . محمد
( وجه ) قول أن الزرع دخل في العقد وهو متصل ويثبت الحق فيه وهو منفصل ، وكذا الثمر فتعتبر قيمتها على صفة الاتصال على أن في اعتبار حالة الانفصال إضرارا بالشفيع إذ ليس للمفصول والثمر المجذوذ كثير قيمة فيتضرر به الشفيع . محمد
( وجه ) قول إن حق الشفيع إنما سقط بعد زوال الاتصال فتعتبر قيمتها منفصلا لا متصلا . أبي يوسف
وكذا لو كانت الأرض مبذورة ولم يطلع الزرع بعد ثم طلع فقصله المشتري عند يقسم الثمن على قيمة البذر وعلى قيمة الأرض فيسقط قدر قيمة البذر عن الثمن وعند أبي يوسف تقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة فيسقط عنه ما بين ذلك إذا آجر الشفيع الأرض مع الشجر بحصتها من الثمن وبقيت الثمرة في يد البائع هل يثبت الخيار للمشتري ؟ ذكر محمد أن الثمرة لازمة للمشتري ولا خيار له . محمد
ولو كان فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الأرض بحصتها من الثمن وإن شاء ترك ; لأنه لما أتلف الثمرة فقد فرق الصفقة على المشتري قبل التمام من غير رضاه وأنه يوجب الخيار ، بخلاف ما إذا كان الشفيع أخذ الأرض بالشفعة ; لأن التفريق هناك حصل برضا المشتري ; لأن حق الشفيع كان ثابتا في المأخوذ وأنه حق لازم فكان التفريق هناك لضرورة حق ثابت لازم شرعا فكان المشتري راضيا به ، والتفريق المرضي به لا يوجب الخيار والله سبحانه وتعالى أعلم . البائع أتلف الثمرة قبل أن يأخذ الشفيع الأرض بالشفعة
هذا إذا كانت هذه الأشياء موجودة عند العقد متصلة بالعقار ودام الاتصال إلى وقت التملك بالشفعة أو زال ثم حضر الشفيع .