( فصل ) :
وأما فهي في الأصل نوعان : نوع يعم ذبح كل حيوان مأكول ونوع يخص التضحية ; أما الذي يعم ذبح كل حيوان مأكول فقد ذكرناه في كتاب الذبائح ، وأما الذي يخص التضحية فأنواع : بعضها يرجع إلى من عليه التضحية ، وبعضها يرجع إلى وقت التضحية ، وبعضها يرجع إلى محل التضحية . شرائط جواز إقامة الواجب ; وهي التضحية
أما الذي يرجع إلى من عليه التضحية فمنها لا تجزي الأضحية بدونها ; لأن الذبح قد يكون للحم وقد يكون للقربة والفعل لا يقع قربة بدون النية ; قال النبي عليه الصلاة والسلام { نية الأضحية } والمراد منه عمل هو قربة ; وللقربة جهات من المتعة والقران والإحصار وجزاء الصيد وكفارة الحلق وغيره من المحظورات فلا تتعين الأضحية إلا بالنية ; وقال النبي عليه الصلاة والسلام { لا عمل لمن لا نية له } ويكفيه أن ينوي بقلبه ولا يشترط أن يقول بلسانه ما نوى بقلبه كما في الصلاة ; لأن النية عمل القلب ، والذكر باللسان دليل عليها . إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
ومنها ، فإن شارك لم يجز عن الأضحية ، وكذا هذا في سائر القرب سوى الأضحية إذا شارك المتقرب من لا يريد القربة لم يجز عن القربة كما في دم المتعة والقران والإحصار وجزاء الصيد وغير ذلك ، وهذا عندنا ، وعند أن لا يشارك المضحي - فيما يحتمل الشركة - من لا يريد القربة رأسا رحمه الله هذا ليس بشرط حتى لو اشترك سبعة في بعير أو بقرة كلهم يريدون القربة ; الأضحية أو غيرها من وجوه القرب إلا واحد منهم يريد اللحم - لا يجزي واحدا منهم من الأضحية ولا من غيرها من وجوه القرب عندنا ، وعنده يجزي . الشافعي
( وجه ) قوله أن الفعل إنما يصير قربة من كل واحد بنيته لا بنية صاحبه ، فعدم النية من أحدهم لا يقدح في قربة الباقين .
( ولنا ) أن القربة في إراقة الدم وأنها لا تتجزأ ; لأنها ذبح واحد فإن لم يقع قربة من البعض لا يقع قربة من الباقين ضرورة عدم التجزؤ ولو أرادوا القربة ; الأضحية أو غيرها من القرب أجزأهم سواء كانت القربة واجبة أو تطوعا أو وجبت على البعض دون البعض ، وسواء اتفقت جهات القربة أو اختلفت بأن أراد بعضهم الأضحية وبعضهم جزاء الصيد وبعضهم هدي الإحصار وبعضهم كفارة شيء أصابه في إحرامه وبعضهم هدي التطوع وبعضهم دم المتعة والقران وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال [ ص: 72 ] رحمه الله : لا يجوز إلا إذا اتفقت جهات القربة بأن كان الكل بجهة واحدة . زفر
( وجه ) قوله إن القياس يأبى الاشتراك ; لأن الذبح فعل واحد لا يتجزأ فلا يتصور أن يقع بعضه عن جهة وبعضه عن جهة أخرى ; لأنه لا بعض له إلا عند الاتحاد ، فعند الاتحاد جعلت الجهات كجهة واحدة وعند الاختلاف لا يمكن فبقي الأمر فيه مردودا إلى القياس .
( ولنا ) أن الجهات - وإن اختلفت صورة - فهي في المعنى واحد ; لأن المقصود من الكل التقرب إلى الله - عز شأنه - وكذلك إن أراد بعضهم العقيقة عن ولد ولد له من قبل ; لأن ذلك جهة التقرب إلى الله تعالى - عز شأنه - بالشكر على ما أنعم عليه من الولد ، كذا ذكر رحمه الله في نوادر الضحايا ولم يذكر ما إذا أراد أحدهم الوليمة - وهي ضيافة التزويج - وينبغي أن يجوز ; لأنها إنما تقام شكرا لله تعالى - عز شأنه - على نعمة النكاح وقد وردت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { محمد } فإذا قصد بها الشكر أو إقامة السنة فقد أراد بها التقرب إلى الله - عز شأنه - وروي عن أولم ولو بشاة رحمه الله كره الاشتراك عند اختلاف الجهة وروي عنه أنه قال : لو كان هذا من نوع واحد لكان أحب إلي ، وهكذا قال أبي حنيفة رحمه الله . أبو يوسف
- لم يجزهم عندنا ; لأن الكافر لا تتحقق منه القربة فكانت نيته ملحقة بالعدم فكان مريدا للحم ، والمسلم لو أراد اللحم لا يجوز عندنا فالكافر أولى إذا كان أحدهم عبدا أو مدبرا ويريد الأضحية ; لأن نيته باطلة ; لأنه ليس من أهل هذه القربة فكان نصيبه لحما فيمتنع الجواز أصلا ولو كان أحد الشركاء ذميا كتابيا أو غير كتابي وهو يريد اللحم أو أراد القربة في دينه جاز . وإن كان أحد الشركاء ممن يضحي عن ميت
وروي عن رحمه الله أنه لا يجوز ، وذكر في الأصل إذا اشترك سبعة في بدنة فمات أحدهم قبل الذبح فرضي ورثته أن يذبح عن الميت جاز استحسانا والقياس أن لا يجوز . أبي يوسف
( وجه ) القياس أنه لما مات أحدهم فقد سقط عنه الذبح ، وذبح الوارث لا يقع عنه ; إذ الأضحية عن الميت لا تجوز فصار نصيبه اللحم ، وأنه يمنع من جواز ذبح الباقين من الأضحية كما لو أراد أحدهم اللحم في حال حياته .
( وجه ) الاستحسان أن الموت لا يمنع التقرب عن الميت بدليل أنه يجوز أن يتصدق عنه ويحج عنه ، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته - وإن كان منهم من قد مات قبل أن يذبح - فدل أن الميت يجوز أن يتقرب عنه فإذا ذبح عنه صار نصيبه للقربة فلا يمنع جواز ذبح الباقين .
ولو اشترى رجل بقرة يريد أن يضحي بها ثم أشرك فيها بعد ذلك قال هشام : سألت فأخبرني أن أبا يوسف رحمه الله قال : أكره ذلك ويجزيهم أن يذبحوها عنهم ، قال : وكذلك قول أبا حنيفة ، قال : قلت أبي يوسف ومن نيته أن يشرك فيها ؟ قال : لا أحفظ عن لأبي يوسف رحمه الله فيها شيئا ولكن لا أرى بذلك بأسا وقال في الأصل : قال أرأيت في أبي حنيفة ; يعني أنه صار سابعهم هل يجزي عنهم ؟ قال : نعم استحسن وإن فعل ذلك قبل أن يشتريها كان أحسن ، وهذا محمول على الغني إذا اشترى بقرة لأضحيته ; لأنها لم تتعين لوجوب التضحية بها وإنما يقيمها عند الذبح مقام ما يجب عليه أو واجب عليه فيخرج عن عهدة الواجب بالفعل فيما يقيمه فيه فيجوز اشتراكهم فيها وذبحهم إلا أنه يكره ; لأنه لما اشتراها ليضحي بها فقد وعد وعدا فيكره أن يخلف الوعد ، فأما إذا كان فقيرا فلا يجوز له أن يشرك فيها ; لأنه أوجبها على نفسه بالشراء للأضحية فتعينت للوجوب فلا يسقط عنه ما أوجبه على نفسه . رجل اشترى بقرة يريد أن يضحي بها عن نفسه فأشرك فيها بعد ذلك ولم يشركهم حتى اشتراها فأتاه إنسان بعد ذلك فأشركه حتى استكمل
وقد قالوا في مسألة الغني إذا أشرك بعدما اشتراها للأضحية أنه ينبغي أن يتصدق بالثمن وإن لم يذكر ذلك رحمه الله لما روي { محمد دينارا وأمره أن يشتري له أضحية فاشترى شاة فباعها بدينارين واشترى بأحدهما شاة وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام بشاة ودينار وأخبره بما صنع فقال عليه الصلاة والسلام بارك الله في صفقة يمينك وأمر عليه الصلاة والسلام أن يضحى بالشاة ويتصدق بالدينار حكيم بن حزام } لما أنه قصد إخراجه للأضحية كذا ههنا . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى