وأما الذي يرجع إلى فهو أنها لا تجوز قبل دخول الوقت ; لأن الوقت كما هو شرط الوجوب فهو شرط جواز إقامة الواجب كوقت الصلاة ، فلا يجوز لأحد أن يضحي قبل طلوع الفجر الثاني من اليوم الأول من أيام النحر ويجوز بعد طلوعه سواء كان من أهل المصر أو من أهل القرى ، غير أن للجواز في حق أهل المصر شرطا زائدا وهو وقت التضحية ، لا يجوز تقديمها عليه عندنا . أن يكون بعد صلاة العيد
وقال رحمه الله : إذا مضى من الوقت مقدار ما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد جازت الأضحية وإن لم يصل الإمام ، والصحيح قولنا ; لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { الشافعي } وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { من ذبح قبل الصلاة فليعد أضحيته } وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في حديث أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم الذبح رضي الله عنه { البراء بن عازب } فقد رتب النبي عليه الصلاة والسلام الذبح على الصلاة وليس لأهل القرى صلاة العيد فلا يثبت الترتيب في حقهم . : من كان منكم ذبح قبل الصلاة فإنما هي غدوة أطعمه الله تعالى إنما الذبح بعد الصلاة
وإن أخر الإمام صلاة العيد فليس للرجل أن يذبح أضحيته حتى يتنصف النهار ، فإن اشتغل الإمام فلم يصل العيد أو ترك ذلك متعمدا حتى زالت الشمس فقد حل الذبح بغير صلاة في الأيام كلها ; لأنه لما زالت الشمس فقد فات وقت الصلاة وإنما يخرج الإمام في اليوم الثاني والثالث على وجه القضاء ، والترتيب شرط في الأداء لا في القضاء ، كذا ذكره رحمه الله . القدوري
وإن كان يصلي في المصر في موضعين بأن كان الإمام قد خلف من يصلي بضعفة الناس في الجامع وخرج هو بالآخرين إلى المصلى - وهو الجبانة - ذكر رحمه الله أنه إذا صلى أهل أحد المسجدين أيهما كان جاز ذبح الأضاحي ، وذكر في الأصل إذا صلى أهل المسجد فالقياس أن لا يجوز ذبح الأضحية وفي الاستحسان يجوز . الكرخي
( وجه ) القياس أن صلاة العيد لما كانت شرطا لجواز الأضحية في حق أهل المصر فاعتبار صلاة أهل أحد الموضعين يقتضي أن يجوز ، واعتبار صلاة أهل الموضع الآخر يقتضي أن لا يجوز فلا يحكم بالجواز بالشك بل يحكم بعدم الجواز احتياطا .
( وجه ) الاستحسان أن الشرط صلاة العيد ، ; بدليل أنهم لو اقتصروا عليها جاز ويقع الاكتفاء بذلك فقد وجد الشرط فجاز ، وكذا في الحديث الذي روينا ترتيب الذبح على الصلاة مطلقا وقد وجدت ولو سبق أهل الجبانة بالصلاة قبل أهل المسجد لم يذكر هذا في الأصل ، وقيل لا رواية في هذا وذكر والصلاة في المسجد الجامع تجزي عن صلاة العيد رحمه الله أن هذا كصلاة أهل المسجد ، فعلى قوله يكون فيه قياس واستحسان كما إذا صلى أهل المسجد . الكرخي
واختلف المتأخرون ; منهم من قال : يجب أن يكون هذا جائزا قياسا واستحسانا ; لأن الأصل في صلاة العيد صلاة من في الجبانة وإنما يصلي من يصلي في المسجد لعذر فوجب اعتبار الأصل دون غيرهم .
ومنهم من أثبت فيه القياس والاستحسان كما في المسألة الأولى ووجهها ما ذكرنا .
ومنهم من قال : لا تجوز الأضحية بصلاة أهل الجبانة حتى يصلي أهل المسجد ; لأن الصلاة في المسجد هي الأصل بدليل سائر الصلوات وإنما يخرج الإمام إلى الجبانة لضرورة أن المسجد لا يتسع لهم فيجب اعتبار الأصل .
ولو لا يجوز وكذا إذا ضحى قبل أن يقعد قدر التشهد ، ولو ذبح بعدما قعد قدر التشهد قبل السلام قالوا - على قياس قول ذبح والإمام في خلال الصلاة رحمه الله لا يجوز كما لو كان في خلال الصلاة وعلى قياس قول أبي حنيفة أبي يوسف رحمهما الله الله - يجوز بناء على أن خروج المصلي من الصلاة بصفة فرض عنده وعندهما ليس بفرض . ومحمد
ولو جاز ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام رتب الذبح على الصلاة لا على الخطبة فيما روينا من الأحاديث فدل أن العبرة للصلاة لا للخطبة . ضحى قبل فراغ الإمام من الخطبة أو قبل الخطبة
ولو عرفة فعلى الإمام أن يعيد [ ص: 74 ] الصلاة من الغد وعلى الرجل أن يعيد الأضحية ; لأنه تبين أن الصلاة والأضحية وقعتا قبل الوقت فلم يجز ، وإن صلى الإمام صلاة العيد وذبح رجل أضحيته ثم تبين أنه يوم فإن علم ذلك قبل أن يتفرق الناس يعيد بهم الصلاة باتفاق الروايات ، وهل يجوز ما ضحى قبل الإعادة ؟ ذكر في بعض الروايات أنه يجوز ; لأنه ذبح بعد صلاة يجيزها بعض الفقهاء وهو تبين أن الإمام كان على غير وضوء رحمه الله ; لأن فساد صلاة الإمام لا يوجب فساد صلاة المقتدي عنده فكانت تلك صلاة معتبرة عنده ، فعلى هذا يعيد الإمام وحده ولا يعيد القوم وذلك استحسانا وذكر في اختلاف الشافعي رحمه الله أنه يعيد بهم الصلاة ولا يجوز ما ضحى قبل إعادة الصلاة . زفر
وإن تفرق الناس عن الإمام ثم علم بعد ذلك فقد ذكر في بعض الروايات أن الصلاة لا تعاد ، وقد جازت الأضحية عن المضحي ; لأنها صلاة قد جازت في قول بعض الفقهاء فترك إعادتها بعد تفرق الناس أحسن من أن ينادي الناس أن يجتمعوا ثانيا ، وهو أيسر من أنه تبطل أضاحيهم .
وروي عن رحمه الله أنه تعاد الأضحية ولا تعاد بهم الصلاة ; لأن إعادة الأضحية أيسر من إعادة الصلاة . أبي حنيفة
وروي أيضا أنه ينادي بهم حتى يجتمعوا ويعيد بهم الصلاة ، قال رحمه الله : فعلى هذا القياس لا تجزي ذبيحة من ذبح قبل إعادة الصلاة إلا أن تكون الشمس قد زالت فتجزي ذبيحة من ذبح في قولهم جميعا وسقطت عنهم الصلاة ، ولو شهد ناس عند الإمام - بعد نصف النهار وبعدما زالت الشمس - أن ذلك اليوم هو العاشر من ذي الحجة جاز لهم أن يضحوا ويخرج الإمام من الغد فيصلي بهم صلاة العيد ، وإن علم في صدر النهار أنه يوم النحر فشغل الإمام عن الخروج أو غفل فلم يخرج ولم يأمر أحدا يصلي بهم فلا ينبغي لأحد أن يضحي حين يصلي الإمام إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت قبل أن يخرج الإمام ضحى الناس ، وإن ضحى أحد قبل ذلك لم يجز . البلخي
جازت الصلاة وجاز للرجل أضحيته . ولو صلى الإمام صلاة العيد وذبح رجل أضحيته ثم تبين للإمام أن يوم العيد كان بالأمس
فالقياس في ذلك أن يكون وقت النحر في ذلك المصر بعد طلوع الفجر يوم النحر بمنزلة القرى التي لا يصلى فيها ، ولكن يستحسن أن يكون وقت نحرهم بعد زوال الشمس من يوم النحر ; لأن الموضع موضع الصلاة ، ألا ترى أن الإمام لو كان حاضرا كان عليهم أن يصلوا إلا أنه امتنع أداؤها العارض فلا يتغير حكم الأصل ; كما لو كان الإمام حاضرا فلم يصل لعارض أسباب من مرض أو غير ذلك ، وهناك لا يجوز الذبح إلا بعد الزوال كذا ههنا . ولو وقعت فتنة في مصر ولم يكن لها إمام من قبل السلطان يصلي بهم صلاة العيد
عرفة ثم ظهر أن ذلك اليوم كان يوم النحر جازت الأضحية عندنا ; لأن الذبح حصل في وقته فيجزيه والله - عز شأنه - أعلم . ولو ذبح أضحيته بعد الزوال من يوم
هذا إذا كان من عليه الأضحية في المصر والشاة في المصر ; فإن كان هو في المصر والشاة في الرستاق أو في موضع لا يصلى فيه وقد كان أمر أن يضحوا عنه فضحوا بها بعد طلوع الفجر قبل صلاة العيد فإنها تجزيه ، وعلى عكسه لو كان هو في الرستاق والشاة في المصر وقد أمر من يضحي عنه فضحوا بها قبل صلاة العيد فإنها لا تجزيه وإنما يعتبر في هذا مكان الشاة لا مكان من عليه ، هكذا ذكر - عليه الرحمة - في النوادر وقال : إنما أنظر إلى محل الذبح ولا أنظر إلى موضع المذبوح عنه ، وهكذا روى محمد عن الحسن رحمه الله : يعتبر المكان الذي يكون فيه الذبح ولا يعتبر المكان الذي يكون فيه المذبوح عنه ، وإنما كان كذلك ; لأن الذبح هو القربة فيعتبر مكان فعلها لا مكان المفعول عنه . أبي يوسف
روي عن وإن كان الرجل في مصر وأهله في مصر آخر فكتب إليهم أن يضحوا عنه أنه اعتبر مكان الذبيحة فقال : ينبغي لهم أن لا يضحوا عنه حتى يصلي الإمام الذي فيه أهله ، وإن ضحوا عنه قبل أن يصلي لم يجزه ، وهو قول أبي يوسف - عليه الرحمة - وقال محمد : انتظرت الصلاتين جميعا وإن شكوا في وقت صلاة المصر الآخر انتظرت به الزوال فعنده لا يذبحون عنه حتى يصلوا في المصرين جميعا ، وإن وقع لهم الشك في وقت صلاة المصر الآخر لم يذبحوا حتى تزول الشمس فإذا زالت ذبحوا عنه . الحسن بن زياد
( وجه ) قول أن فيما قلنا اعتبار الحالين حال الذبح وحال المذبوح عنه فكان أولى الحسن ولأبي يوسف رحمهما الله أن القربة في الذبح ، والقربات المؤقتة يعتبر وقتها في حق فاعلها لا في حق المفعول عنه ، ويجوز الذبح في أيام النحر نهرها ولياليها ; وهما ليلتان : ليلة اليوم الثاني وهي ليلة الحادي عشر ، وليلة اليوم الثالث وهي ليلة الثاني [ ص: 75 ] عشر ، ولا يدخل فيها ليلة الأضحى وهي ليلة العاشر من ذي الحجة لقول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم : أيام النحر ثلاثة ، وذكر الأيام يكون ذكر الليالي لغة ، قال الله - عز شأنه - في قصة ومحمد زكريا عليه الصلاة والسلام { ثلاثة أيام إلا رمزا } وقال عز شأنه في موضع آخر { ثلاث ليال سويا } والقصة قصة واحدة إلا أنه لم يدخل فيها الليلة العاشرة من ذي الحجة ; لأنه استتبعها النهار الماضي وهو يوم عرفة ; بدليل أن من أدركها فقد أدرك الحج ، كما لو أدرك النهار وهو يوم عرفة فإذا جعلت تابعة للنهار الماضي لا تتبع النهار المستقبل فلا تدخل في وقت التضحية وتدخل الليلتان بعدها ، غير أنه يكره الذبح بالليل لا لأنه ليس بوقت للتضحية بل لمعنى آخر ذكرناه في كتاب الذبائح ، والله - عز شأنه - أعلم .