( وأما ) في كفارة القتل فلا يجوز فيها إلا المؤمنة بالإجماع وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : رضي الله عنه
nindex.php?page=treesubj&link=23618_12134_16567لا يجوز في الكفارات كلها إلا المؤمنة ، والأصل فيه أن النص الوارد في كفارة اليمين وكفارة الظهار مطلق عن قيد أيمان الرقبة ، والنص الوارد في كفارة القتل مقيد بقيد الأيمان فحمل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله المطلق على المقيد ، ونحن أجرينا المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده .
( وجه ) قوله : إن المطلق في معنى المجمل والمقيد في معنى المفسر ، والمجمل يحمل على المفسر ، ويصير النصان في معنى ; كنص المجمل والمفسر ، ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=15970_21281حمل المطلق على المقيد في باب الشهادة والزكاة وكفارة اليمين ، حتى شرطت العدالة لوجوب قبول الشهادة والإسامة لوجوب الزكاة ، وشرط التتابع في صوم كفارة اليمين كذا ههنا .
( ولنا ) وجهان أحدهما : طريق مشايخنا
بسمرقند ، وهو أن حمل المطلق على المقيد ، ضرب النصوص بعضها في بعض وجعل النصين كنص واحد مع إمكان العمل بكل واحد منهما وهذا لا يجوز ، بخلاف المجمل ; لأنه غير ممكن العمل بظاهره .
والثاني طريق مشايخ
العراق وهو : أن حمل المطلق على المقيد نسخ للإطلاق ; لأن بعد ورود النص المقيد لا يجوز العمل بالمطلق ، بل ينسخ حكمه ، وليس النسخ إلا بيان منتهى مدة الحكم الأول ، ولا يجوز نسخ الكتاب بالقياس ، ولا بخبر الواحد .
وقوله : المطلق في معنى المجمل ممنوع ; لأن المجمل لا يمكن العمل بظاهره ، والمطلق يمكن العمل بظاهره ، إذ هو اسم لما يتعرض للذات دون الصفات ، فيمكن العمل بإطلاقه من غير الحاجة إلى البيان فلا ضرورة إلى حمل المطلق على المقيد ، وفي الموضع الذي حمل إنما حمل لضرورة عدم الإمكان ، وذلك عند اتحاد السبب والحكم لاستحالة ثبوت حكم واحد في زمان واحد مطلقا ومقيدا ، فيخرج على البيان وعلى الناسخ ، وعلى الاختلاف المعروف بين مشايخنا أن تقييد المطلق بيان أو نسخ ، وعند اختلاف السبب لا ضرورة فلا يحمل والله - عز وجل - أعلم .
وبه تبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=12134_23618شرط الأيمان في كفارة القتل ثبت نصا غير معقول المعنى ، فيقتصر على مورد النص ويمكن أن يقال : إن تحرير رقبة موصوفة بصفة الإيمان في باب القتل ما وجب بطريق التكفير ; لأن الكفارة كاسمها ستارة للذنوب والمؤاخذات في الآخرة والله - سبحانه وتعالى - وضع المؤاخذة في الخطأ بدعاء النبي - عليه أشرف التحية {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقال النبي : عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } وإنما وجبت بطريق الشكر لسلامة نفسه في الدنيا عن القصاص ، وفي الآخرة عن العقاب ; لأن حفظ النفس عن الوقوع في الخطأ ، مقدور في الجملة بالجهد والجد والتكلف ، فجعل الله - سبحانه وتعالى - تحرير رقبة موصوفة بكونها مؤمنة شكرا لتلك النعمة ، والتحرير في اليمين والظهار يجب بطريق التكفير ، إذا لم يعرف ارتفاع المؤاخذة الثابتة ههنا ، فوجب التحرير فيهما تكفيرا فلا يستقيم القياس ، فإن قيل : إذا حنث في يمينه خطأ كان التحرير شكرا على ما قلتم ، فينبغي أن يقاس على القتل في إيجاب تحرير رقبة مؤمنة ، فالجواب أنه لا يمكن القياس في هذه الصورة أيضا ; لما ذكرنا أن تحرير المؤمن جعل شكرا لنعمة خاصة ، وهي سلامة الحياة في الدنيا مع ارتفاع المؤاخذة في الآخرة ، وفي باب اليمين النعمة هي ارتفاع المؤاخذة في الآخرة فحسب إذ ليس ثمة موجب دنيوي يسقط عنه ، فكانت النعمة في باب القتل فوق النعمة في باب اليمين ، وشكر النعمة يجب على قدر النعمة ; كالجزاء على قدر الجناية ولا يعلم مقدار الشكر إلا من علم مقدار النعمة ، وهو الله - سبحانه وتعالى - فلا تمكن المقايسة في هذه الصورة أيضا والله - سبحانه وتعالى - أعلم .
( وَأَمَّا ) فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الْمُؤْمِنَةَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=23618_12134_16567لَا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا إلَّا الْمُؤْمِنَةَ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ أَيْمَانِ الرَّقَبَةِ ، وَالنَّصَّ الْوَارِدَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدِ الْأَيْمَانِ فَحَمَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَنَحْنُ أَجْرَيْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدَ عَلَى تَقْيِيدِهِ .
( وَجْهُ ) قَوْلِهِ : إنَّ الْمُطْلَقَ فِي مَعْنَى الْمُجْمَلِ وَالْمُقَيَّدَ فِي مَعْنَى الْمُفَسَّرِ ، وَالْمُجْمَلُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُفَسَّرِ ، وَيَصِيرُ النَّصَّانِ فِي مَعْنًى ; كَنَصِّ الْمُجْمَلِ وَالْمُفَسَّرِ ، وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=15970_21281حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، حَتَّى شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ لِوُجُوبِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْإِسَامَةُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ ، وَشُرِطَ التَّتَابُعُ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَذَا هَهُنَا .
( وَلَنَا ) وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا : طَرِيقُ مَشَايِخِنَا
بِسَمَرْقَنْدَ ، وَهُوَ أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، ضَرْبُ النُّصُوصِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ وَجَعْلُ النَّصَّيْنِ كَنَصٍّ وَاحِدٍ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، بِخِلَافِ الْمُجْمَلِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ .
وَالثَّانِي طَرِيقُ مَشَايِخِ
الْعِرَاقِ وَهُوَ : أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ نَسْخٌ لِلْإِطْلَاقِ ; لِأَنَّ بَعْدَ وُرُودِ النَّصِّ الْمُقَيَّدِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمُطْلَقِ ، بَلْ يُنْسَخُ حُكْمُهُ ، وَلَيْسَ النَّسْخُ إلَّا بَيَانَ مُنْتَهَى مُدَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ ، وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ .
وَقَوْلُهُ : الْمُطْلَقُ فِي مَعْنَى الْمُجْمَلِ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ الْمُجْمَلَ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ ، وَالْمُطْلَقُ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ ، إذْ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ ، فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حُمِلَ إنَّمَا حُمِلَ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْإِمْكَانِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ السَّبَبِ وَالْحُكْمِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا ، فَيَخْرُجُ عَلَى الْبَيَانِ وَعَلَى النَّاسِخِ ، وَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ مَشَايِخِنَا أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بَيَانٌ أَوْ نَسْخٌ ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ لَا ضَرُورَةَ فَلَا يُحْمَلُ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ .
وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12134_23618شَرْطَ الْأَيْمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ثَبَتَ نَصًّا غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ فِي بَابِ الْقَتْلِ مَا وَجَبَ بِطَرِيقِ التَّكْفِيرِ ; لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ لِلذُّنُوبِ وَالْمُؤَاخَذَاتِ فِي الْآخِرَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَضَعَ الْمُؤَاخَذَةَ فِي الْخَطَأِ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ أَشْرَفُ التَّحِيَّةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286رَبّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَقَالَ النَّبِيُّ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الشُّكْرِ لِسَلَامَةِ نَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا عَنْ الْقِصَاصِ ، وَفِي الْآخِرَةِ عَنْ الْعِقَابِ ; لِأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْخَطَأِ ، مَقْدُورٌ فِي الْجُمْلَةِ بِالْجَهْدِ وَالْجَدِّ وَالتَّكَلُّفِ ، فَجَعَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِكَوْنِهَا مُؤْمِنَةً شُكْرًا لِتِلْكَ النِّعْمَةِ ، وَالتَّحْرِيرُ فِي الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ يَجِبُ بِطَرِيقِ التَّكْفِيرِ ، إذَا لَمْ يُعْرَفْ ارْتِفَاعُ الْمُؤَاخَذَةِ الثَّابِتَةِ هَهُنَا ، فَوَجَبَ التَّحْرِيرُ فِيهِمَا تَكْفِيرًا فَلَا يَسْتَقِيمُ الْقِيَاسُ ، فَإِنْ قِيلَ : إذَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ خَطَأً كَانَ التَّحْرِيرُ شُكْرًا عَلَى مَا قُلْتُمْ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْقَتْلِ فِي إيجَابِ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا ; لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَحْرِيرَ الْمُؤْمِنِ جُعِلَ شُكْرًا لِنِعْمَةٍ خَاصَّةٍ ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا مَعَ ارْتِفَاعِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَفِي بَابِ الْيَمِينِ النِّعْمَةُ هِيَ ارْتِفَاعُ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ فَحَسْبُ إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ مُوجِبٌ دُنْيَوِيٌّ يُسْقِطُ عَنْهُ ، فَكَانَتْ النِّعْمَةُ فِي بَابِ الْقَتْلِ فَوْقَ النِّعْمَةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ يَجِبُ عَلَى قَدْرِ النِّعْمَةِ ; كَالْجَزَاءِ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الشُّكْرِ إلَّا مَنْ عَلِمَ مِقْدَارَ النِّعْمَةِ ، وَهُوَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَلَا تُمْكِنُ الْمُقَايَسَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ .