( وأما ) فنقول ، - وبالله التوفيق - : الديون أنواع . بيع الدين قبل القبض
( منها ) ، ومنها ما يجوز أما الذي لا يجوز بيعه قبل القبض فنحو رأس مال السلم لعموم النهي ; ولأن قبضه في المجلس شرط ، وبالبيع يفوت القبض حقيقة ، وكذا المسلم فيه ; لأنه مبيع لم يقبض ، وكذا لو ما لا يجوز بيعه قبل القبض لا يجوز استحسانا ، والقياس : أن يجوز وهو قول باع رأس مال السلم بعد الإقالة قبل القبض . زفر
( وجه ) القياس : أن عقد السلم ارتفع بالإقالة ; لأنها فسخ ، وفسخ العقد رفعه من الأصل ، وجعله كأنه لم يكن ، وإذا ارتفع العقد من الأصل عاد رأس المال إلى قديم ملك رب المال فكان محلا للاستبدال كما كان قبل السلم ; ولهذا يجب قبل قبض رأس المال بعد [ ص: 182 ] الإقالة في مجلس الإقالة .
( وجه ) الاستحسان : عموم النهي الذي روينا إلا من حيث خص بدليل ، وفي الباب نص خاص ، وهو ما روى رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لرب السلم { أبو سعيد الخدري } ، وفي رواية { لا تأخذ إلا سلمك ، أو رأس مالك } نهى النبي عليه الصلاة والسلام رب السلم عن الأخذ عاما ، واستثنى أخذ السلم ، أو رأس المال فبقي أخذ ما وراءهما على أصل النهي ، وكذا إذا خذ سلمك ، أو رأس مالك نحو ذمي أسلم إلى ذمي عشرة دراهم في خمر ، ثم أسلما ، أو أسلم أحدهما قبل قبض الخمر حتى بطل السلم ، ووجب على المسلم إليه رد رأس المال لا يجوز لرب السلم الاستبدال استحسانا لما روينا ، ولو كان السلم فاسدا من الأصل ووجب على المسلم إليه رد رأس المال لفساد السلم يجوز الاستبدال ; لأن السلم إذا كان فاسدا في الأصل لا يكون له حكم السلم فكان رأس مال السلم بمنزلة سائر الديون من القرض ، وثمن المبيع ، وضمان الغصب ، والاستهلاك . انفسخ السلم بعد صحته لمعنى عارض
( وأما ) ، وهو حال بقاء العقد ، ويجوز في الانتهاء ، وهو ما بعد الإقالة ، بخلاف رأس مال السلم فإنه لا يجوز بيعه في الحالين . بدل الصرف فلا يجوز بيعه قبل القبض في الابتداء
( ووجه ) الفرق : أن القياس جواز الاستبدال بعد الإقالة في الناس جميعا ; لما ذكرنا أن الإقالة فسخ ، وفسخ العقد رفعه من الأصل كأن لم يكن ، ولو لم يكن العقد لجاز الاستبدال فكذا إذا رفع ، وألحق بالعدم فكان ينبغي أن يجوز الاستبدال فيهما جميعا إلا أن الحرمة في باب السلم ثبتت نصا بخلاف القياس ، وهو ما روينا ، والنص ورد في السلم فبقي جواز الاستبدال بعد الإقالة في الصرف على الأصل ، وكذا للنهي سواء كان ثبوتها في الذمة بعقد السلم ، أو غيره ; لأن الثياب كما تثبت في الذمة مؤجلة بطريق السلم تثبت دينا في الذمة مؤجلة لا بطريق السلم بأن الثياب الموصوفة في الذمة المؤجلة لا يجوز بيعها قبل القبض فإنه يجوز بيعه ، ولا يكون جوازه بطريق السلم بدليل أن قبض العبد ليس بشرط ، وقبض رأس مال السلم شرط جواز السلم ، وكذا إذا أجر داره بثوب موصوف في الذمة مؤجل جازت الإجارة ، ولا يكون سلما ، وكذا لو ادعى عينا في يد رجل فصالحه من دعواه على ثوب موصوف في الذمة مؤجل جاز الصلح ، ولا يكون هذا سلما ، ولا يجوز الاستبدال به كما لا يجوز بالمسلم فيه ، وإن لم يكن ثبوته بعقد السلم فهذه جملة باع عبدا بثوب موصوف في الذمة مؤجل ، وما سواها من ثمن المبيع ، والقرض ، وقيمة المغصوب ، والمستهلك ، ونحوها فيجوز بيعها ممن عليه قبل القبض ، وقال الديون التي لا يجوز بيعها قبل القبض رحمه الله - : ثمن المبيع إذا كان عينا لا يجوز بيعه قبل القبض قولا واحدا ، وإن كان دينا لا يجوز في أحد قوليه أيضا بناء على أن الثمن والمثمن عنده من الأسماء المترادفة يقعان على مسمى واحد فكان كل واحد منهما مبيعا فكان بيع المبيع قبل القبض ، وكذا النهي عن بيع ما لم يقبض عام لا يفصل بين المبيع ، والثمن وأما على أصلنا فالمبيع ، والثمن من الأسماء المتباينة في الأصل يقعان على معنيين متباينين على ما نذكره - إن شاء الله تعالى - في موضعه ، ولا حجة له في عموم النهي ; لأن بيع ثمن المبيع ممن عليه صار مخصوصا بحديث الشافعي رضي الله عنهما على ما نذكره . عبد الله بن عمر