( ومنها ) بيان مكان إيفائه إذا كان له حمل ومؤنة عند ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف ليس بشرط وعلى هذا الخلاف ومحمد وعلى هذا الخلاف إذا بيان مكان الأجرة في الإجارات إذا كان لها حمل ومؤنة أنه لا بد من بيان مكان التسليم عنده خلافا لهما ، كذا أطلقه جعل المكيل الموصوف أو الموزون الموصوف ثمنا في بيع العين ولم يفصل بين ما إذا كان مؤجلا أو غير مؤجل ، ومن أصحابنا من فرقوا فقالوا إذا كان حالا يتعين مكان العقد للتسليم بالإجماع ، وحاصل الاختلاف راجع إلى مكان العقد ، هل يتعين للإيفاء ؟ عنده لا يتعين ، وعندهما يتعين ; لأنه إذا لم يتعين مكان العقد للإيفاء عنده ولم يوجد منهما تعيين مكان آخر بقي مكان الإيفاء مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فيفسد العقد ، ولما تعين مكان العقد للإيفاء عندهما صار مكان الإيفاء معلوما فيصح . الكرخي
( وجه ) قولهما : أن سبب وجوب الإيفاء هو العقد ، والعقد وجد في هذا المكان فيتعين مكان العقد لوجوب الإيفاء فيه كما في بيع العين إذا كان المسلم فيه شيئا له حمل ومؤنة فإنه يتعين مكان العقد لوجوب الإيفاء فيه لما قلنا كذا هذا .
( رحمه الله ) أن العقد وجد مطلقا عن تعيين مكان فلا يتعين مكان العقد للإيفاء ، والدليل على إطلاق العقد عن تعيين مكان الحقيقة والحكم . ولأبي حنيفة
( أما ) الحقيقة فلأنه لم يوجد ذكر المكان في العقد نصا فالقول بتعيين مكان العقد شرعا من غير تعيين العاقدين تقييد المطلق فلا يجوز إلا بدليل .
( وأما ) الحكم فإن العاقدين لو عينا مكانا آخر جاز ، ولو كان تعيين مكان العقد من مقتضيات العقد شرعا لكان تعيين مكان آخر تغييرا لمقتضى العقد وإنه يعتبر فيه حكم الشرع فينبغي أن لا يجوز ، وإذا لم يتعين مكان العقد للإيفاء بقي مكان الإيفاء مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة ; لأن في الأشياء التي لها حمل ومؤنة تختلف باختلاف الأمكنة لما يلزم في حملها من مكان إلى مكان آخر من المؤنة فيتنازعان .
( وأما ) قولهما : سبب وجوب التسليم هو العقد في هذا المكان قلنا : ليس كذلك فإن العقد قائم بالعاقدين لا بالمكان فلم يوجد العقد في هذا المكان ، وإنما هذا مكان المتعاقدين على أن العقد ليس بسبب لوجوب التسليم للحال ، وإنما يصير سببا عند حل الأجل مقصورا عليه ، وعند ذلك مكان العاقدين ليس بمتحد بل مختلف فيتنازعان .
( وأما ) فعن المسلم فيه إذا لم يكن له حمل ومؤنة فيه روايتان : في رواية لا يتعين مكان العقد هناك أيضا ، وهو رواية كتاب الإجارات ويوفيه في أي مكان شاء ، وهذا لا يوجب الفساد ; لأن الفساد ههنا لمكان الجهالة المفضية إلى المنازعة لاختلاف القيمة باختلاف الأمكنة ، وما لا حمل له ولا مؤنة لا تختلف قيمته باختلاف الأماكن فلم تكن جهالة مكان الإيفاء مفضية إلى المنازعة ، وفي رواية يتعين مكان العقد للإيفاء ، وهو قول أبي حنيفة أبي يوسف ، وهو رواية الجامع الصغير ورواية البيوع من الأصل ، ومن مشايخنا من أول هذه الرواية ، وقال : هي معنى قوله : يوفيه في المكان الذي أسلم فيه إذا لم يتنازعا فإذا تنازعا يأخذه بالتسليم حيث ما لقيه ، ولو ومحمد فحيث سلم إليه في ذلك الموضع فهو جائز وليس لرب السلم أن يتخير مكانا ; لأن المشروط هو التسليم في مكان منه مطلقا ، وقد وجد ، وإن سلم في غير المكان المشروط فلرب السلم أن يأبى لقوله : عليه الصلاة والسلام { شرط رب السلم التسليم في بلد أو قرية } ، فإن أعطاه على ذلك أجرا لم يجز له أخذ الأجر عليه ; لأنه لما قبض المسلم فيه فقد تعين ملكه في المقبوض فتبين أنه أخذ الأجر على [ ص: 214 ] نقل ملك نفسه فلم يجز فيرد الأجر ، وله أن يرد المسلم فيه حتى يسلم في المكان المشروط ; لأن حقه في التسليم فيه ولم يرض ببطلان حقه إلا بعوض ولم يسلم له فبقي حقه في التسليم في المكان المشروط ، وهذا بخلاف ما إذا المسلمون عند شروطهم أنه لا يصح الصلح ويسقط حقه في الشفعة وعليه رد بدل الصلح ، وإذا رده لا يعود حقه في الشفعة ; لأنه ليس للشفيع حق ثابت في المحل قبل التمليك بالشفعة ، وإنما له حق أن يتملك ، وهذا ليس بحق ثابت في المحل فلا يحتمل الاعتياض وبطل حقه من الشفعة بإعراضه عن الطلب بإسقاطه صريحا ، ولرب السلم حق ثابت في التسليم في المكان المشروط فإذا لم يصح الاعتياض عنه التحق الاعتياض بالعدم وبقي الحق على ما كان ، والذي يدل على التفرقة بينهما أنه لو قال : أسقطت حقي في الشفعة يسقط ، ولو قال : أسقطت حقي في التسليم في ذلك المكان لا يسقط ، والله عز وجل أعلم . صالح الشفيع من الشفعة التي وجبت له على مال