( فصل ) :
وأما بعد انعقاده ونفاذه وصحته فواحد وهو أن يكون خاليا عن خيارات أربعة خيار التعيين وخيار الشرط وخيار العيب وخيار الرؤية فلا يلزم مع أحد هذه الخيارات وهذا عندنا وقال شرائط لزوم البيع رحمه الله افتراق العاقدين مع الخلو عن الخيارين وهو خيار الشرط وخيار العيب شرط أيضا ولقب المسألة أن خيار المجلس ليس بثابت عندنا ، وعنده ثابت احتج الشافعي رحمه الله بقوله : عليه الصلاة والسلام { الشافعي } وهذا نص في الباب ; ولأن الإنسان قد يبيع شيئا ويشتري ثم يبدو له فيندم فيحتاج إلى التدارك بالفسخ فكان ثبوت الخيار في المجلس من باب النظر للمتعاقدين . المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا
( ولنا ) ظاهر قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } أباح الله - سبحانه وتعالى - الأكل بالتجارة عن تراض مطلقا عن قيد التفرق عن مكان العقد ، وعنده إذا فسخ أحدهما العقد في المجلس لا يباح الأكل فكان ظاهر النص حجة عليه ; ولأن البيع من العاقدين صدر مطلقا عن شرط ، والعقد المطلق يقتضي ثبوت الملك في العوضين في الحال فالفسخ من أحد العاقدين يكون تصرفا في العقد الثابت بتراضيهما أو في حكمه بالرفع والإبطال من غير رضا الآخر ، وهذا لا يجوز ولهذا لم ينفرد أحدهما بالفسخ والإقالة بعد الافتراق كذا هذا .
( وأما ) الحديث فإن ثبت مع كونه في حد الآحاد مخالفا لظاهر الكتاب ، فالخيار المذكور فيه محمول على خيار الرجوع والقبول ما داما في التبايع ، وهو أن البائع إذا قال لغيره : بعت منك كذا فله أن يرجع ما لم يقل المشتري اشتريت وللمشتري أن لا يقبل أيضا ، وإذا قال : المشتري اشتريت منك بكذا كان له أن يرجع ما لم يقل البائع : بعت ، وللبائع أن لا يقبل أيضا ، وهذا النوع من التأويل للخبر نقله في الموطأ عن محمد رحمهما الله وإنه موافق لرواية إبراهيم النخعي لما روي عن أبي حنيفة رضي الله عنهما { ابن سيدنا عمر } حملناه على هذا توفيقا بين الدلائل بقدر الإمكان والله تعالى جل شأنه أعلم . البيعان بالخيار ما لم يتفرقا عن بيعهما