( وأما ) ، فالكلام فيه في موضعين : أحدهما : في بيان ما ينفسخ به ، والثاني في بيان شرائطه ، فنقول : وبالله التوفيق ما ينفسخ به في الأصل نوعان : اختياري وضروري ، والاختياري نوعان : أيضا صريح ، وما هو في معنى الصريح ، ودلالة ( أما ) الأول : فنحو أن يقول من له الخيار ، فسخت البيع أو نقضته أو أبطلته ، وما يجري هذا المجرى ، فينفسخ البيع سواء كان الخيار للبائع أو [ ص: 272 ] للمشتري أو لهما أو لغيرهما ، ولا يشترط له التراضي ، ولا قضاء القاضي ; لأن الفسخ حصل بتسليط صاحبه عليه . بيان ما ينفسخ به
( وأما ) ، فهو أن يتصرف من له الخيار تصرف الملاك إن كان الخيار للبائع ، وفي الثمن إن كان عينا إذا كان الخيار للمشتري ; لأن الخيار إذا كان للبائع ، فتصرفه في المبيع تصرف الملاك دليل استبقاء ملكه فيه ، وإذا كان للمشتري ، فتصرفه في الثمن إذا كان عينا تصرف الملاك دليل استبقاء ملكه فيه ، ولا يكون ذلك إلا بالفسخ ، فالإقدام عليه يكون فسخا للعقد دلالة ، والحاصل إن وجد من البائع في المبيع ما لو وجد منه في الثمن ; لكان إجازة للبيع يكون فسخا للبيع ، وقد ذكرنا ذلك كله ، وهذا النوع من الفسخ لا يقف على علم صاحبه بلا خلاف بخلاف النوع الأول ; لأن الانفساخ ههنا لا يثبت بالفسخ مقصودا ، وإنما يثبت ضمنا لغيره ، فلا يشترط له ما يشترط للفسخ مقصودا كبيع الشرب ، والطريق أنه لا يجوز مقصودا ، ويجوز تبعا للأرض والله عز وجل أعلم . الفسخ من طريق الدلالة
( وأما ) الضروري ، فنحو أن يهلك المبيع قبل القبض ، فيبطل البيع سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما جميعا ; لأنه لو كان باتا لبطل ، فإذا كان فيه خيار الشرط أولى ; لأنه أضعف منه ، وإن هلك بعد القبض ، فإن كان الخيار للبائع ، فكذلك يبطل البيع ، ولكن تلزمه القيمة إن لم يكن له مثل ، والمثل إن كان له مثل إما بطلان البيع ، فلأن المبيع صار بحال لا يحتمل إنشاء العقد عليه ، فلا يحتمل الإجازة ، فينفسخ العقد ضرورة .
وأما لزوم القيمة ، فقول عامة العلماء ، وقال إنه يهلك أمانة ( وجه ) قوله أن الخيار منع انعقاد العقد في حق الحكم ، فكان المبيع على حكم ملك البائع أمانة في يد المشتري ، فيهلك هلاك الأمانات . ابن أبي ليلى
( ولنا ) أن البيع ، وإن لم ينعقد في حق الحكم لكن المبيع في قبض المشتري على حكم البيع ، فلا يكون دون المقبوض على سوم الشراء بل هو فوقه ; لأن هناك لم يوجد العقد لا بنفسه ، ولا بحكمه ، وههنا إن لم يثبت حكم العقد ، فقد وجد بنفسه ، وذلك مضمون بالقيمة أو بالمثل ، فهذا أولى ، وإن كان الخيار للمشتري لا يبطل البيع ، ولكن يبطل الخيار ، ويلزم البيع ، وعليه الثمن إما على أصلهما ، فظاهر ; لأن المشتري ملكه بالعقد ، فإذا قبضه ، فقد تقرر عليه الثمن ، فإذا هلك يهلك مضمونا بالثمن ، كما كان في البيع البات .
( وإما ) على أصل ، فالمشتري ، وإن لم يملكه ، فقد اعترض عليه في يده قبل القبض ما يمنع الرد ، وهو التعيب بعيب لم يكن عند البائع ; لأن الهلاك في يده لا يخلو عن تقدم عيب عادة ; لأنه لا يخلو عن سبب موته في الهلاك عادة ، وأنه يكون عيبا ، وتعيب المبيع في يد المشتري يمنع الرد ، ويلزم البيع لما ذكرنا فيما تقدم ، فإذا هلك يهلك بالثمن . أبي حنيفة