( وأما ) إذا فالقياس أن يكفيه سجدة واحدة وهو قول كرر التلاوة في ركعتين الأخير ، وفي الاستحسان يلزمه لكل تلاوة سجدة وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول أبي يوسف وهذه من المسائل الثلاث التي رجع فيها محمد [ ص: 183 ] عن الاستحسان إلى القياس إحداها هذه المسألة ، والثانية أن أبو يوسف لا يكون رهنا بالمتعة قياسا وهو قول الرهن بمهر المثل الأخير ، وفي الاستحسان يكون رهنا وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول أبي يوسف ، والثانية أن محمد القياس أن يخير المولى ثانيا وهو قول العبد إذا جنى جناية فيما دون النفس فاختار المولى الفداء ثم مات المجني عليه الأخير وفي الاستحسان لا يخير وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول أبي يوسف لا يخير وعلى هذا الخلاف إذا محمد ولا خلاف فيما إذا قرأها في ركعة واحدة . صلى على الأرض وقرأ آية السجدة في ركعتين
وجه الاستحسان وهو قول أن المكان ههنا وإن اتحد حقيقة وحكما لكن مع هذا لا يمكن أن يجعل الثانية تكرارا ; لأن لكل ركعة قراءة مستحقة فلو جعلنا الثانية تكرارا للأولى والتحقت القراءة بالركعة الأولى لخلت الثانية عن القراءة ولفسدت وحيث لم تفسد دل أنها لم تجعل مكررة بخلاف ما إذا كرر التلاوة في ركعة واحدة ; لأن هناك أمكن جعل التلاوة المتكررة متحدة حكما . محمد
وجه القياس أن المكان متحد حقيقة وحكما فيوجب كون الثانية تكرارا للأولى كما في سائر المواضع ، وما ذكره لا يستقيم ; لأن القراءة لها حكمان جواز الصلاة ، ووجوب سجدة التلاوة ونحن إنما نجعل القراءة الثانية ملتحقة بالأولى في حق وجوب السجدة لا في غيره من الأحكام . محمد
ولو فسجد بالإيماء ثم أعادها في الركعة الثانية فعلى قول افتتح الصلاة على الدابة بالإيماء فقرأ آية السجدة في الركعة الأولى الأخير لا يشكل أنه لا يلزمه أخرى . أبي يوسف
واختلف المشايخ على قوله الأول وهو قول قال بعضهم : يلزمه أخرى ، وقال بعضهم : يكفيه سجدة واحدة ثم تبدل المجلس قد يكون حقيقة وقد يكون حكما بأن محمد فعليه سجدة أخرى ; لأن المجلس يتبدل بهذه الأعمال . تلا آية السجدة ثم أكل أو نام مضطجعا ، أو أرضعت صبيا ، أو أخذ في بيع أو شراء أو نكاح أو عمل يعرف أنه قطع لما كان قبل ذلك ثم أعادها
ألا ترى أن القوم يجلسون لدرس العلم فيكون مجلسهم مجلس الدرس ، ثم يشتغلون بالنكاح فيصير مجلسهم مجلس النكاح ، ثم بالبيع فيصير مجلسهم مجلس البيع ، ثم بالأكل فيصير مجلسهم مجلس الأكل ، ثم بالقتال فيصير مجلسهم مجلس القتال فصار تبدل المجلس بهذه الأعمال كتبدله بالذهاب والرجوع لما مر .
ولو نام قاعدا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو تكلم بكلمة أو عمل عملا يسيرا ثم أعادها فليس عليه أخرى ; لأن بهذا القدر لا يتبدل المجلس والقياس فيهما سواء أنه لا يلزمه أخرى لاتحاد المكان حقيقة إلا أنا استحسنا إذا طال العمل اعتبارا بخلاف ما إذا أكل لقمة أو شرب شربة . بالمخيرة إذا عملت عملا كثيرا خرج الأمر عن يدها وكان قطعا للمجلس
ولو قرأ آية السجدة فأطال القراءة بعدها أو أطال الجلوس ثم أعادها ليس عليه سجدة أخرى ; لأن مجلسه لم يتبدل بقراءة القرآن وطول الجلوس ، وكذا لو اشتغل بالتسبيح أو بالتهليل ثم أعادها لا يلزمه أخرى وإن قرأها وهو جالس ثم قام فقرأها وهو قائم إلا أنه في مكانه ذلك يكفيه سجدة واحدة ; لأن المجلس لم يتبدل حقيقة وحكما .
أما الحقيقة فلأنه لم يبرح مكانه .
وأما الحكم فلأن الموجود قيام وهو عمل قليل كأكل لقمة ، أو شرب شربة وبمثله لا يتبدل المجلس ، وهذا بخلاف ما إذا خير امرأته فقامت من مجلسها حيث خرج الأمر من يدها كما لو انتقلت إلى مجلس آخر ; لأن خروج الأمر من يدها موجب الاعتراض عن قبول التمليك إذ التخيير تمليك على ما يعرف في كتاب الطلاق ومن ملك شيئا فأعرض عنه يبطل ذلك التمليك وهذا لأن القيام دليل الإعراض ; لأن اختيارها نفسها أو زوجها أمر تحتاج فيه إلى الرأي والتدبير لتنظر أي ذلك أعود لها وأنفع ، والقعود أجمع للذهن وأشد إحضارا للرأي فالقيام من هذه الحالة إلى ما يوجب تفرق الذهن وفوات الرأي دليل الإعراض أما ههنا فالحكم يختلف باتحاد المجلس وتعدده لا بالإعراض وعدمه والمجلس لم يتبدل فلم يعد متعددا متفرقا .
وكذلك لو قرأها وهو قائم فقعد ثم أعادها يكفيه سجدة واحدة لما قلنا .
ولو قرأها في مكان ثم قام وركب الدابة على مكانه ثم أعادها قبل أن يسير فعليه سجدة واحدة على الأرض ، ولو سارت الدابة ثم تلا بعدها فعليه سجدتان ، وكذلك إذا قرأها راكبا ثم نزل قبل السير فأعادها يكفيه سجدة واحدة استحسانا وفي القياس فعليه سجدتان لتبدل مكانه بالنزول أو الركوب .
وجه الاستحسان أن النزول أو الركوب عمل قليل فلا يوجب تبدل المجلس وإن كان سار ثم نزل فعليه سجدتان ; لأن سير الدابة بمنزلة مشيه فيتبدل به المجلس وكذلك لو قرأها ثم قام في مكانه ذلك وركب ثم نزل [ ص: 184 ] قبل السير فأعادها لا تجب عليه إلا سجدة واحدة لما قلنا .
ولو قرأها راكبا ثم نزل ثم ركب فأعادها وهو على مكانه فعليه سجدة واحدة لما بينا والأصل أن النزول والركوب ليسا بمكانين