( ومنها ) ، فإن كان لا تصح الوصية لما روي عن أن لا يكون وارث الموصي وقت موت الموصي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { أبي قلابة } وفي هذا حكاية ، وهي ما حكي أن إن الله تبارك وتعالى أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث - رحمه الله تعالى - كان مريضا ، فعاده سليمان بن الأعمش رضي الله عنه فوجده يوصي لابنيه ، فقال أبو حنيفة : رضي الله عنه إن هذا لا يجوز ، فقال : ولم يا أبو حنيفة فقال : لأنك رويت لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبا حنيفة } فقال : لا وصية لوارث - رحمه الله - : يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة . سليمان
فقد نفى الشارع عليه الصلاة والسلام أن يكون لوارث وصية نصا .
وأشار إلى تحول الحق من الوصية إلى الميراث على ما بينا فيما تقدم ، ولأنا لو جوزنا الوصية للورثة ; لكان للموصي أن يؤثر بعض الورثة ، وفيه إيذاء البعض وإيحاشهم ، فيؤدي إلى قطع الرحم ، وإنه حرام وما أفضى إلى الحرام ، فهو حرام دفعا للتناقض ، ثم الشرط أن لا يكون وارث الموصي وقت موت الموصي لا وقت الوصية حتى لو أوصى لأخيه وله ابن وقت الوصية ، ثم مات قبل موت الموصي ، ثم مات الموصي لم تصح الوصية ; لأن الموصى له ، وهو الأخ صار وارث الموصي عند موته ولو أوصى لأخيه ولا ابن له وقت الوصية ، ثم ولد له ابن ، ثم مات الموصي صحت الوصية ; لأن الأخ ليس بوارثه عند الموت لصيرورته محجوبا بالابن .
وإنما اعتبرت الوراثة وقت موت الموصي لا وقت وصيته ; لأن الوصية ليست بتمليك للحال ليعتبر كونه وارثا وقت وجودها ، بل هي تمليك عند الموت ، فيعتبر ذلك عند الموت ، وكذلك الهبة في المرض بأن وهب المريض لوارثه شيئا ، ثم مات إنه يعتبر كونه وارثا له وقت الموت لا وقت الهبة ; لأن هبة المريض في معنى الوصية حتى تعتبر من الثلث .
وعلى هذا يخرج ما إذ أوصى لامرأة أجنبية ، وهو مريض أو صحيح ، ثم تزوجها إنه لا يصح ، ولو أقر المريض لامرأة أجنبية بدين ، ثم تزوجها جاز إقراره ; لأن الوصية إنما تصير ملكا عند موت الموصي فيعتبر كونها وارثة له حينئذ ، وهي وارثته عند موته ; لأنها زوجته فلم تصح الوصية ( فأما ) الإقرار فاعتباره حال وجوده وهي أجنبية حال وجوده فاعتراض الزوجية بعد ذلك لا يبطله وكذا لو وهب لها هبة في مرض موته ، ثم تزوجها بطلت الهبة ; لأن تبرعات المريض مرض الموت تعتبر بالوصايا ولو أوصى وهو مريض ، أو صحيح لابنه النصراني صح ; لأنه ليس بوارثه ، فلو أسلم الابن قبل موته بطلت وصيته لما قلنا أن اعتبارها بعد الموت وهو وارث بعد الموت ، ولو أقر المريض بدين لابنه النصراني ، ثم أسلم لم يجز إقراره عند أصحابنا الثلاثة - رحمهم الله - تعالى وعند - رحمه الله تعالى يصح ( وجه ) قوله على نحو ما ذكرنا في المرأة أن الإقرار يعتبر حال وقوعه وإنه غير وارث وقت الإقرار ، فاعتراض الوراثة بعد ذلك لا يبطل الدين الثابت ، كما قلنا في المرأة . زفر
( ولنا ) أن الوراثة ، وإن لم تكن موجودة عند الإقرار لكن سببها كان قائما وهو القرابة لكن لم يظهر عملها للحال لمانع ، وهو الكفر ، فعند زوال المانع يلحق بالعدم من الأصل ، ويعمل السبب من وقت وجوده لا من وقت زاول المانع ، كما في البيع بشرط الخيار إن عند سقوط الخيار يعمل السبب ، وهو البيع في الحكم من ، وقت وجوده لا من وقت [ ص: 338 ] سقوط الخيار ، والجامع أن العامل عند ارتفاع المانع ذات البيع وذات القرابة فتستند السببية إلى وقت وجود ذاته فيظهر أنه أقر لوارثه فلم يصح ، أو يقال إن إقرار المريض لوارثه إنما يرد للتهمة ، وسبب التهمة وقت الإقرار موجود ، وهو القرابة ، بخلاف ما إذا أقر لامرأة أجنبية ، ثم تزوجها ; لأن هناك سبب القرابة لم يكن موجودا وقت الإقرار ; لأن السبب هو الزوجية ، ولم تكن وقت الإقرار ، وإنما وجدت بعد ذلك ، وبعد وجودها لا تحتمل الاستناد ، فيقتصر على حال وجودها ولم يكن ذلك إقرارا لوارثه فيصح ، ويثبت الدين في ذمته ، فلا يسقط بحدوث الزوجية ، وعلى التقريب الثاني لم يوجد سبب التهمة وقت الإقرار فيصح ، ولو كان ابنه مسلما ، لكنه مملوك ، فأوصى له ، ثم أعتق ، فالوصية باطلة لما ذكرنا أن أوان اعتبار الوصية أوان الموت ، وهو وارثه عند الموت .
ولو أقر له بالدين وهو مريض ، أو وهب له هبة ، فقبضها ، فإن لم يكن عليه دين ; جاز ذلك ; لأنه إذا لم يكن عليه دين كان الإقرار والهبة لمولاه وإنه أجنبي عن الموصي ، فجاز ، وإن كان عليه دين لا يجوز ; لأن الإقرار والهبة يقعان له لا لمولاه ; لأنه يقضي منه ديونه فتبين أن الإقرار كان لوارثه من طريق الاستناد ، فلا يصح ، أو لا يصح لقيام سبب شبهة التهمة وقت الإقرار ، كما قلنا في الإقرار لابنه النصراني إذا أسلم .
ولو أوصى لبعض ورثته ، فأجاز الباقون ; جازت الوصية ; لأن امتناع الجواز كان لحقهم لما يلحقهم من الأذى والوحشة بإيثار البعض ، ولا يوجد ذلك عند الإجازة ، وفي بعض الروايات عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { } ، ولو أوصى بثلث ماله لبعض ورثته ولأجنبي ، فإن أجاز بقية الورثة ; جازت الوصية لهما جميعا . لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة
وكان الثلث بين الأجنبي وبين الوارث نصفين ، وإن ردوا ، جازت في حصة الأجنبي ، وبطلت في حصة الوارث .
وقال بعض الناس : يصرف الثلث كله إلى الأجنبي ; لأن الوارث ليس بمحل للوصية فالتحقت الإضافة إليه بالعدم ، كما لو أوصى لحي وميت إن الوصية كلها للحي لما قلنا كذا هذا وهذا غير سديد ; لأن الوصية للوارث ليست وصية باطلة بدليل أنه لو اتصلت بها الإجازة جازت ، والباطل لا يحتمل الجواز بالإجازة ، وبه تبين أن الوارث محل للوصية ; لأن التصرف المضاف إلى غير محله يكون باطلا دل أنه محل ، وأن الإضافة إليه وقعت صحيحة إلا أنها تبطل في حصته برد الباقين ، وإذا وقعت صحيحة ، فقد أوصى لكل واحد منهما بنصف الثلث ، ثم بطلت الوصية في حق الوارث بالرد ، فبقيت في حق الأجنبي على حالها ، كما لو أوصى لأجنبيين ; فرد أحدهما دون الآخر ، بخلاف المريض إذا أقر بدين لبعض ورثته ولأجنبي ، كما إذ أقر لهما بألف درهم والوارث مع الأجنبي تصادقا إنه لا يصح لهما الإقرار أصلا لا للوارث ، ولا للأجنبي ; لأن الوصية تمليك ، فبطلانه في حق أحدهما لا يوجب البطلان في حق الآخر ; لأنه لا يوجب الشركة ، والإقرار لهما بالدين إخبار عن دين مشترك بينهما ، فلو صح في حق الأجنبي ; لكان فيه قسمة الدين قبل القبض ، وأنها باطلة ; ولأنه إذا كان إخبارا عن دين مشترك بينهما فالوارث يشارك الأجنبي فيما يقبض ، ثم تبطل حصته وفيه إقرار للوارث وأنه باطل ، بخلاف الوصية ، فإن الوارث لا يشارك الأجنبي .
وإذا بطل الإقرار أصلا تقسم التركة بين ورثة المقر فما أصاب الوارث المقر له من ذلك يكون بينه وبين الأجنبي إلى تمام الإقرار وما زاد على ذلك يكون للوارث ; لأنهما إذا تصادقا ، فمن زعمهما أن هذا القدر دين على الميت ، والدين مقدم على الميراث هذا إذا تصادقا ، فإن تكاذبا ، أو أنكر الأجنبي شركة الوارث ، أو رد الورثة إقراره فالإقرار باطل أيضا في قول أبي حنيفة - رحمهما الله - لما ذكرنا ، وإذا بطل كان المال ميراثا بين ورثة المقر ، فما أصاب الوارث ، فهو له كله ولا شركة للأجنبي فيه ; لأنه يكذبه في ذلك وعند وأبي يوسف يصح إقراره في حق الأجنبي ، ويكون له خمسمائة وإن كان الأجنبي يكذب الوارث ، والوارث يصدقه في ذلك فالخمسمائة مما أصابه للأجنبي ; لأنه لما صدقه الوارث فقد أقر أنه كان له على الميت خمسمائة دين وأنه مقدم على الميراث إلا أنه ادعى الشركة فيه وهو يكذبه في الشركة ، فكان القول قول الأجنبي ، ويأخذ تلك الخمسمائة كلها ، ولو أوصى لعبد وارثه لا يصح سواء كان على العبد دين ، أو لم يكن . محمد
( أما ) إذا لم يكن عليه دين ، فظاهر ; لأن الوصية تقع لمولاه ; لأن الملك يقع له ، فكانت الوصية لوارثه ، وإن كان عليه دين ; فالوصية تقع لمولاه من وجه ; لأنه إذا سقط عنه الدين يصير الموصى به للوارث وقت الوصية فكان وصية للوارث من [ ص: 339 ] وجه ، فلا تصح إلا إذا عتق قبل موت الموصي ، فتصح الوصية ; لأن الوصية إيجاب الملك عند موت الموصي ، وهو كان حرا عند موته .
وكذا إذا أوصى لعبد نفسه فأعتقه قبل موته صحت وصيته له ، فإن مات وهو عبد بطلت ; لأن وصيته لمولاه ومولاه وارثه ، ولو أوصى لمكاتب وارثه لا يصح ; لأن منفعة الوصية تحصل لوارثه في الحال والمآل ، في الحال بأداء بدل الكتابة ، وفي المآل بالعجز ، ولو أوصى لمكاتب نفسه جاز ; لأنه ( إما ) أن يعتق بأداء بدل الكتابة ، فيصير أجنبيا ، فتجوز له الوصية ( وإما ) أن يعجز ويرد في الرق ، فيصير ميراثا لجميع ورثته لا لبعضهم دون بعض ، فلا يكون في هذه الوصية إيثار بعض الورثة على بعض ، فتجوز ، كما أوصى بثلث ماله لورثته .