فصل
المعاصي تزيل النعم ، وتقطع النعم الواصلة ، فتزيل الحاصل ، وتمنع الواصل ، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته ، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته ، فإن ما عنده لا ينال إلا بطاعته ، وقد جعل الله سبحانه لكل شيء سببا وآفة ، سببا يجلبه ، وآفة تبطله ، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته ، وآفاتها المانعة منها معصيته ، فإذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها ، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها . ومن عقوباتها أنها تزيل النعم الحاضرة
ومن العجب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره ، وسماعا لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه ، وهو مقيم على معصية الله ، كأنه مستثنى من هذه الجملة ، أو مخصوص من هذا العموم ، وكأن هذا أمر جار على الناس لا عليه ، وواصل إلى الخلق لا إليه ، فأي جهل أبلغ من هذا ؟ وأي ظلم للنفس فوق هذا ؟ فالحكم لله العلي الكبير .