فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم وخلفائه في أو يكون الزوج عنينا . أحد الزوجين يجد بصاحبه برصا أو جنونا أو جذاما
في " مسند أحمد " : من حديث يزيد بن كعب بن عجرة رضي الله عنه : ( بني غفار فلما دخل عليها ، ووضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضا فاماز عن الفراش ، ثم قال : خذي عليك ثيابك " ولم يأخذ مما آتاها شيئا ) . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من
وفي " الموطأ " : عن عمر أنه قال : ( ) . أيما امرأة غر بها رجل بها جنون أو [ ص: 164 ] جذام أو برص فلها المهر بما أصاب منها وصداق الرجل على من غره
وفي لفظ آخر : ( عمر في فرق بينهما والصداق لها بمسيسه إياها ، وهو له على وليها البرصاء والجذماء والمجنونة إذا دخل بها ) . قضى
وفي " سنن أبي داود " : من حديث عكرمة عن رضي الله عنهما : ( ابن عباس عبد يزيد أبو ركانة زوجته أم ركانة ونكح امرأة من مزينة ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة - لشعرة أخذتها من رأسها - ففرق بيني وبينه فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية فذكر الحديث . وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال له : " طلقها " ففعل ، ثم قال : " راجع امرأتك أم ركانة " فقال : إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله . قال : " قد علمت ارجعها " وتلا : ( ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) ) [ الطلاق :1 ] . طلق
ولا علة لهذا الحديث إلا رواية له عن بعض ابن جريج بني أبي رافع ، وهو مجهول ، ولكن هو تابعي من الأئمة الثقات العدول ، ورواية العدل عن غيره تعديل له ما لم يعلم فيه جرح ، ولم يكن الكذب ظاهرا في التابعين ، ولا سيما التابعين من وابن جريج أهل المدينة ، ولا سيما موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا سيما مثل هذه السنة التي تشتد حاجة الناس إليها لا يظن أنه حملها عن كذاب ولا عن غير ثقة عنده ولم يبين حاله . بابن جريج
وجاء عن التفريق بالعنة عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وسمرة بن [ ص: 165 ] جندب ومعاوية بن أبي سفيان والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، لكن والمغيرة بن شعبة عمر وابن مسعود والمغيرة أجلوه سنة ، وعثمان ومعاوية وسمرة لم يؤجلوه ، والحارث بن عبد الله أجله عشرة أشهر .
وذكر حدثنا سعيد بن منصور هشيم أنبأنا عبد الله بن عوف عن : ( ابن سيرين رضي الله عنه بعث رجلا على بعض السعاية فتزوج امرأة وكان عقيما فقال له عمر بن الخطاب عمر : أعلمتها أنك عقيم ؟ . قال : لا ، قال : فانطلق فأعلمها ثم خيرها ) . أن
وأجل مجنونا سنة فإن أفاق وإلا فرق بينه وبين امرأته . فاختلف الفقهاء في ذلك ، فقال داود ومن وافقهما : لا يفسخ النكاح بعيب البتة ، وقال وابن حزم : لا يفسخ إلا بالجب والعنة خاصة . أبو حنيفة
وقال الشافعي ومالك : يفسخ بالجنون والبرص والجذام والقرن والجب والعنة خاصة ، وزاد عليهما : أن تكون المرأة فتقاء منخرقة ما بين السبيلين ، ولأصحابه في الإمام أحمد ، والقروح السيالة فيه والبواسير والناصور والاستحاضة ، واستطلاق البول والنجو والخصي وهو قطع البيضتين ، والسل وهو سل البيضتين والوجء وهو رضهما ، وكون أحدهما خنثى مشكلا ، والعيب الذي بصاحبه مثله من العيوب السبعة ، والعيب الحادث بعد العقد وجهان . نتن الفرج والفم وانخراق مخرجي البول والمني في الفرج
وذهب بعض أصحاب : إلى رد المرأة بكل عيب ترد به الجارية في البيع ، وأكثرهم لا يعرف هذا الوجه ولا مظنته ولا من قاله . وممن حكاه أبو [ ص: 166 ] الشافعي عاصم العباداني في كتاب طبقات أصحاب ، وهذا القول هو القياس أو قول الشافعي ومن وافقه . ابن حزم
وأما الاقتصار على عيبين أو ستة أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساو لها ، فلا وجه له أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفرات ، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش ، وهو مناف للدين ، والإطلاق إنما ينصرف إلى السلامة فهو كالمشروط عرفا ، وقد قال أمير المؤمنين فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين ، أو الرجلين أو إحداهما رضي الله عنه " لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له : أخبرها أنك عقيم وخيرها " فماذا يقول رضي الله عنه في العيوب التي هذا عندها كمال لا نقص ؟! . عمر بن الخطاب
والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار وهو أولى من البيع ، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع ، وما ألزم الله ورسوله مغرورا قط ولا مغبونا بما غر به وغبن به ، ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته وما اشتمل عليه من المصالح لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة .
وقد روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال قال ابن المسيب عمر : ( أيما امرأة زوجت وبها جنون أو جذام أو برص فدخل بها ثم اطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه إياها وعلى الولي الصداق بما دلس كما غره ) .
ورد هذا بأن لم يسمع من ابن المسيب عمر من باب الهذيان البارد المخالف لإجماع أهل الحديث قاطبة ، قال : إذا لم يقبل الإمام أحمد عن سعيد بن المسيب عمر ، فمن يقبل . وأئمة الإسلام وجمهورهم يحتجون بقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بروايته عن سعيد بن المسيب عمر رضي الله عنه ، وكان يرسل إلى عبد الله بن عمر سعيد يسأله عن قضايا عمر ، فيفتي بها ، ولم يطعن أحد قط من أهل [ ص: 167 ] عصره ولا من بعدهم ممن له في الإسلام قول معتبر في رواية عن سعيد بن المسيب عمر ولا عبرة بغيرهم .
وروى عن الشعبي علي : ( أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها إن شاء أمسك وإن شاء طلق وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها ) .
وقال : عن وكيع عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عمر قال : ( إذا تزوجها برصاء أو عمياء فدخل بها فلها الصداق ويرجع به على من غره ) .
وهذا يدل على أن عمر لم يذكر تلك العيوب المتقدمة على وجه الاختصاص والحصر دون ما عداها ، وكذلك حكم قاضي الإسلام - حقا - الذي يضرب المثل بعلمه ودينه وحكمه : شريح . قال عبد الرزاق : عن معمر عن أيوب عن خاصم رجل إلى ابن سيرين شريح ، فقال : إن هؤلاء قالوا لي : إنا نزوجك بأحسن الناس ، فجاءوني بامرأة عمشاء ، فقال شريح : إن كان دلس لك بعيب لم يجز ، فتأمل هذا القضاء ، وقوله : إن كان دلس لك بعيب . كيف يقتضي أن كل عيب دلست به المرأة فللزوج الرد به ؟ وقال : يرد النكاح من كل داء عضال . الزهري
ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف علم أنهم لم يخصوا الرد بعيب دون عيب إلا رواية رويت عن عمر رضي الله عنه ( : الجنون والجذام والبرص والداء في الفرج ) وهذه الرواية لا نعلم لها إسنادا أكثر من لا ترد النساء إلا من العيوب الأربعة أصبغ عن ابن وهب عن عمر وعلي . روي عن ذلك بإسناد متصل ، ذكره ابن عباس سفيان عن عنه . هذا كله إذا أطلق الزوج [ ص: 168 ] وأما إذا عمرو بن دينار ، أو اشترط السلامة أو شرط الجمال فبانت شوهاء ، أو شرطها بيضاء فبانت سوداء ، أو بكرا فبانت ثيبا ؛ فله الفسخ في ذلك كله . شرطها شابة حديثة السن فبانت عجوزا شمطاء
فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها ، وإن كان بعده فلها المهر وهو غرم على وليها إن كان غره ، وإن كانت هي الغارة سقط مهرها أو رجع عليها به إن كانت قبضته ، ونص على هذا أحمد في إحدى الروايتين عنه وهو أقيسهما وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزوج هو المشترط .
وقال أصحابه : إذا شرطت فيه صفة فبان بخلافها فلا خيار لها إلا في شرط الحرية إذا بان عبدا ، فلها الخيار . وفي شرط النسب إذا بان بخلافه وجهان ، والذي يقتضيه مذهبه وقواعده : أنه لا فرق بين اشتراطه واشتراطها ، بل إثبات الخيار لها إذا فات ما اشترطته أولى ؛ لأنها لا تتمكن من المفارقة بالطلاق ، فإذا جاز له الفسخ مع تمكنه من الفراق بغيره ، فلأن يجوز لها الفسخ مع عدم تمكنها أولى ، وإذا جاز لها الفسخ إذا ظهر الزوج ذا صناعة دنيئة لا تشينه في دينه ولا في عرضه ، وإنما تمنع كمال لذتها واستمتاعها به ، فإذا شرطته شابا جميلا صحيحا ، فبان شيخا مشوها أعمى أطرش أخرس أسود ، فكيف تلزم به وتمنع من الفسخ ؟! هذا في غاية الامتناع والتناقض والبعد عن القياس وقواعد الشرع وبالله التوفيق .
وكيف يمكن أحد الزوجين من الفسخ بقدر العدسة من البرص ، ولا يمكن منه بالجرب المستحكم المتمكن ، وهو أشد إعداء من ذلك البرص اليسير ، وكذلك غيره من أنواع الداء العضال ؟ .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته ، وحرم على من علمه أن يكتمه من المشتري فكيف بالعيوب في النكاح ، وقد حين استشارته في نكاح لفاطمة بنت قيس معاوية أو أبي الجهم : ( أما معاوية [ ص: 169 ] فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ) فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سببا للزومه وجعل ذا العيب غلا لازما في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه ، ولا سيما مع شرط السلامة منه ، وشرط خلافه ، وهذا مما يعلم يقينا أن تصرفات الشريعة وقواعدها وأحكامها تأباه والله أعلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم
وقد ذهب إلى أن الزوج إذا شرط السلامة من العيوب فوجد أي عيب كان ، فالنكاح باطل من أصله غير منعقد ، ولا خيار له فيه ، ولا إجازة ولا نفقة ولا ميراث . قال لأن التي أدخلت عليه غير التي تزوج ، إذ السالمة غير المعيبة بلا شك ، فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما . أبو محمد ابن حزم