[ ص: 249 ] حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ، هل تحل له بدون زوج وإصابة ؟ العبد يطلق زوجته تطليقتين ، ثم يعتق بعد ذلك
روى أهل السنن : ( من حديث أبي الحسن مولى بني نوفل ، أنه في مملوك كانت تحته مملوكة ، فطلقها تطليقتين ، ثم عتقا بعد ذلك ، هل يصلح له أن يخطبها ؟ قال : نعم قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس ) . استفتى
وفي لفظ : ( قال : بقيت لك واحدة ، قضى به رسول الله ) . ابن عباس
قال : عن الإمام أحمد عبد الرزاق ، أن قال ابن المبارك لمعمر : من أبو حسن هذا ؟ لقد تحمل صخرة عظيمة ، انتهى . قال : وأبو حسن هذا قد ذكر بخير وصلاح ، وقد وثقه المنذري أبو زرعة ، غير أن الراوي عنه وأبو حاتم الرازيان عمر بن معتب ، وقد قال : هو منكر الحديث ، وقال علي بن المديني : ليس بالقوي . النسائي
وإذا عتق العبد والزوجة في حباله ، مالك تمام الثلاث ، وإن عتق وقد طلقها اثنتين ، ففيها أربعة أقوال للفقهاء :
أحدها : أنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة ، وهذا قول ، الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين بناء على أن الطلاق بالرجال ، وأن العبد إنما يملك طلقتين ولو كانت زوجته حرة .
والثاني : أن له أن يعقد عليها عقدا مستأنفا من غير اشتراط زوج وإصابة ، كما دل عليه حديث عمر بن معتب هذا ، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد ، وهو [ ص: 250 ] قول ، وأحد الوجهين للشافعية ، ولهذا القول فقه دقيق ، فإنها إنما حرمتها عليه التطليقتان لنقصه بالرق ، فإذا عتق وهي في العدة ، زال النقص ، ووجد سبب ملك الثلاث ، وآثار النكاح باقية ، فملك عليها تمام الثلاث ، وله رجعتها ، وإن عتق بعد انقضاء عدتها ، بانت منه وحلت له بدون زوج وإصابة ، فليس هذا القول ببعيد في القياس . ابن عباس
والثالث : أن له أن يرتجعها في عدتها ، وأن ينكحها بعدها بدون زوج وإصابة ، ولو لم يعتق ، وهذا مذهب أهل الظاهر جميعهم ، فإن عندهم أن العبد والحر في الطلاق سواء .
وذكر ، عن سفيان بن عيينة ، ( عن عمرو بن دينار أبي معبد مولى ابن عباس ، عن - رضي الله عنهما - أن عبدا له طلق امرأته تطليقتين ، فأمره ابن عباس أن يراجعها ، فأبى ، فقال ابن عباس : هي لك فاستحلها بملك اليمين ) . ابن عباس
والقول الرابع : أن زوجته إن كانت حرة ، ملك عليها تمام الثلاث ، وإن كانت أمة ، حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، وهذا قول . أبي حنيفة
وهذا موضع اختلف فيه السلف والخلف على أربعة أقوال :
أحدها : أن والحر سواء ، وهذا مذهب أهل الظاهر جميعهم ، حكاه عنهم طلاق العبد ، واحتجوا بعموم النصوص الواردة في الطلاق ، وإطلاقها ، وعدم تفريقها بين حر وعبد ، ولم تجمع الأمة على التفريق ، فقد صح عن أبو محمد بن حزم أنه أفتى غلاما له برجعة زوجته بعد طلقتين ، وكانت أمة . وفي هذا النقل عن ابن عباس نظر ، فإن ابن عباس عبد الرزاق روى عن ، عن ابن جريج ، أن عمرو بن دينار أبا معبد أخبره ، ( أن عبدا كان ، وكانت له امرأة جارية لابن عباس ، فطلقها فبتها ، فقال له لابن عباس : لا طلاق لك فارجعها ) . ابن عباس
[ ص: 251 ] قال عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن ، ( أن العبد سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال : لا ترجع إليها وإن ضرب رأسك ) . سماك بن الفضل
فمأخذ هذه الفتوى ، أن ، كما أن نكاحه بيده ، كما روى طلاق العبد بيد سيده ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن الثوري ، عن عبد الكريم الجزري عطاء ، عن ( قال : ليس طلاق العبد ولا فرقته بشيء ) . ابن عباس
وذكر عبد الرزاق ، عن ، عن ابن جريج أبي الزبير ، أنه سمع ( يقول في الأمة والعبد : سيدهما يجمع بينهما ويفرق ) ، وهذا قول جابر بن عبد الله أبي الشعثاء ، وقال : الشعبي أهل المدينة لا يرون للعبد طلاقا إلا بإذن سيده ، فهذا مأخذ ، لا أنه يرى طلاق العبد ثلاثا إذا كانت تحته أمة ، وما علمنا أحدا من الصحابة قال بذلك . ابن عباس
والقول الثاني : أن أي الزوجين رق كان الطلاق بسبب رقه اثنتين ، كما روى ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن عمر نافع ، عن ( - رضي الله عنهما - قال : ابن عمر تطليقتين ، وتعتد بحيضتين ، الحر يطلق الأمة تطليقتين ، وتعتد ثلاث حيض ) ، وإلى هذا ذهب والعبد يطلق الحرة . عثمان البتي
والقول الثالث : أن الطلاق بالرجال ، فيملك الحر ثلاثا . وإن كانت زوجته أمة ، والعبد ثنتين ، وإن كانت زوجته حرة ، وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في ظاهر كلامه ، هذا قول ، زيد بن ثابت ، وعائشة أمي المؤمنين ، وأم سلمة ، وعثمان بن عفان ، وهذا مذهب وعبد الله بن عباس القاسم ، وسالم ، وأبي سلمة ، ، وعمر بن عبد العزيز ، ويحيى بن سعيد وربيعة ، وأبي الزناد ، ، وسليمان بن يسار ، وعمرو بن شعيب ، وابن المسيب وعطاء .
[ ص: 252 ] والقول الرابع : أن الطلاق بالنساء كالعدة ، كما روى شعبة عن عن أشعث بن سوار ، ، عن الشعبي مسروق ، عن ( . السنة : الطلاق والعدة بالنساء ) . ابن مسعود
وروى عبد الرزاق : عن وغير واحد ، عن محمد بن يحيى عيسى عن ، ( عن اثني عشر من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : الطلاق والعدة بالمرأة ) ، هذا لفظه ، وهذا قول الشعبي الحسن ، ، وابن سيرين وقتادة ، وإبراهيم ، ، والشعبي وعكرمة ، ومجاهد ، ، والثوري ، والحسن بن حي وأصحابه . وأبي حنيفة
فإن قيل : فما حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه المسألة ؟ قيل : قد قال أبو داود : حدثنا ، حدثنا محمد بن مسعود أبو عاصم ، عن ، عن ابن جريج مظاهر بن أسلم ، عن ، عن القاسم بن محمد - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( عائشة طلاق الأمة تطليقتان ، وقرؤها حيضتان ) .
وروى ، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، حدثنا ، حدثنا عمر بن شبيب المسلي عبد الله بن عيسى ، عن عطية ، عن - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ابن عمر ) . طلاق الأمة ثنتان ، وعدتها حيضتان
[ ص: 253 ] وقال عبد الرزاق : حدثنا قال : كتب إلي ابن جريج عبد الله بن زياد بن سمعان ، أن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ، أخبره عن نافع ، ( عن أم المؤمنين ، أم سلمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره أم سلمة ) ، وقد تقدم حديث أن غلاما لها طلق امرأة له حرة تطليقتين ، فاستفتت عمر بن معتب ، عن أبي حسن ، عن - رضي الله عنه - ولا يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذه الآثار الأربعة على عجرها وبجرها . ابن عباس
أما الأول ، فقال أبو داود : هو حديث مجهول ، وقال : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الترمذي مظاهر بن أسلم ، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث ، انتهى . وقال في " أطرافه " بعد ذكر هذا الحديث : روى أبو القاسم ابن عساكر أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أنه كان جالسا عند أبيه ، فأتاه رسول الأمير ، فأخبره أنه سأل ، القاسم بن محمد عن ذلك ، فقالا هذا ، وقالا له : إن هذا ليس في كتاب الله ، ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن عمل به المسلمون . قال الحافظ : فدل على أن الحديث المرفوع غير محفوظ . وسالم بن عبد الله
وقال : أبو عاصم النبيل مظاهر بن أسلم ضعيف ، وقال : ليس بشيء ، مع أنه لا يعرف ، وقال يحيى بن معين : منكر الحديث . وقال أبو حاتم الرازي : لو كان ثابتا لقلنا به إلا أنا لا نثبت حديثا يرويه من نجهل عدالته . البيهقي
وأما الأثر الثاني : ففيه ضعيف ، وفيه عمر بن شبيب المسلي عطية وهو ضعيف أيضا .
وأما الأثر الثالث : ففيه ابن سمعان الكذاب ، وعبد الله بن عبد الرحمن مجهول .
[ ص: 254 ] وأما الأثر الرابع : ففيه عمر بن معتب ، وقد تقدم الكلام فيه .
والذي سلم في المسألة الآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - والقياس .
أما الآثار ، فهي متعارضة كما تقدم ، فليس بعضها أولى من بعض ، بقي القياس ، وتجاذبه طرفان : طرف المطلق ، وطرف المطلقة . فمن راعى طرف المطلق ، قال : هو الذي يملك الطلاق ، وهو بيده ، فيتنصف برقه كما يتنصف نصاب المنكوحات برقه ، ومن راعى طرف المطلقة ، قال : الطلاق يقع عليها ، وتلزمها العدة والتحريم وتوابعها ، فتنصف برقها كالعدة ، ومن نصف برقها كالعدة ، ومن نصف برق أي الزوجين كان راعى الأمرين ، وأعمل الشبهين ، ومن كمله وجعله ثلاثا رأى أن الآثار لم تثبت ، والمنقول عن الصحابة متعارض ، والقياس كذلك ، فلم يتعلق بشيء من ذلك ، وتمسك بإطلاق النصوص الدالة على أن الطلاق الرجعي طلقتان ، ولم يفرق الله بين حر وعبد ، ولا بين حرة وأمة ، ( وما كان ربك نسيا )
قالوا : والحكمة التي لأجلها جعل الطلاق الرجعي اثنتين في الحر والعبد سواء ، قالوا : وقد قال مالك : إن ، لأن حاجته إلى ذلك كحاجة الحر ، وقال له أن ينكح أربعا كالحر الشافعي وأحمد : ، لأن ضرر الزوجة في الصورتين سواء . أجله في الإيلاء كأجل الحر
وقال : إن طلاقه وطلاق الحر سواء إذا كانت امرأتاهما حرتين إعمالا لإطلاق نصوص الطلاق ، وعمومها للحر والعبد . أبو حنيفة
وقال والناس معه : صيامه في الكفارات كلها ، وصيام الحر سواء ، وحده في السرقة والشراب ، وحد الحر سواء . قالوا : ولو كانت هذه الآثار أو بعضها ثابتا ، لما سبقتمونا إليه ، ولا غلبتمونا عليه ، ولو اتفقت آثار الصحابة لم نعدها إلى غيرها ، فإن الحق لا يعدوهم ، وبالله التوفيق . أحمد بن حنبل