ودل الحديث على أنه إذا فالأم أحق به من الأب ، ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها ، أو بالولد وصف يقتضي تخييره ، وهذا ما لا يعرف فيه نزاع ، وقد قضى به خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم افترق الأبوان وبينهما ولد أبو بكر على ، ولم ينكر عليه منكر . عمر بن الخطاب
فلما ولي عمر قضى بمثله ، فروى مالك في " الموطأ " ، عن أنه قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : ( كانت عند القاسم بن محمد رضي الله عنه امرأة من عمر بن الخطاب الأنصار ، فولدت له عاصم بن عمر ، ثم إن عمر فارقها ، فجاء عمر قباء ، فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد ، فأخذ بعضده ، فوضعه بين يديه على الدابة ، فأدركته جدة الغلام ، فنازعته إياه حتى أتيا رضي الله عنه ، فقال أبا بكر الصديق عمر : ابني ، وقالت المرأة : ابني . فقال أبو بكر رضي الله عنه : خل بينها وبينه ، فما راجعه عمر الكلام ) .
[ ص: 391 ] قال : هذا خبر مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة ، تلقاه أهل العلم بالقبول والعمل ، وزوجة ابن عبد البر عمر أم ابنه عاصم : هي جميلة ابنة عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري .
قال : وفيه دليل على أن عمر كان مذهبه في ذلك خلاف أبي بكر ، ولكنه سلم للقضاء ممن له الحكم والإمضاء ، ثم كان بعد في خلافته يقضي به ويفتي ، ولم يخالف أبا بكر في شيء منه ما دام الصبي صغيرا لا يميز ، ولا مخالف لهما من الصحابة .
وذكر عبد الرزاق ، عن ، أنه أخبره عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني قال : ( طلق ابن عباس امرأته الأنصارية أم ابنه عمر بن الخطاب عاصم ، فلقيها تحمله بمحسر ، وقد فطم ومشى ، فأخذ بيده لينتزعه منها ، ونازعها إياه حتى أوجع الغلام وبكى ، وقال : أنا أحق بابني منك ، فاختصما إلى أبي بكر ، فقضى لها به وقال : ريحها وفراشها وحجرها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه ) . ومحسر : سوق بين قباء والمدينة .
وذكر عن ، عن الثوري عاصم ، عن عكرمة قال : ( خاصمت امرأة عمر عمر إلى أبي بكر رضي الله عنه ، وكان طلقها ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : الأم أعطف ، وألطف ، وأرحم ، وأحنى ، وأرأف ، هي أحق بولدها ما لم تتزوج . )
وذكر عن معمر قال : سمعت يقول : إن الزهري أبا بكر قضى على عمر في ابنه مع أمه ، وقال : ( أمه أحق به ما لم تتزوج )
فإن قيل : فقد اختلفت الرواية : هل كانت المنازعة وقعت بينه وبين الأم [ ص: 392 ] أولا ثم بينه وبين الجدة ، أو وقعت مرة واحدة بينه وبين إحداهما ؟
قيل : الأمر في ذلك قريب ، لأنها إن كانت من الأم فواضح ، وإن كانت من الجدة فقضاء رضي الله عنه لها يدل على أن الأم أولى . الصديق