فصل وقد دل التحريم بلبن الفحل على تحريم دلالة الأولى والأحرى ؛ لأنه إذا حرم عليه أن ينكح من قد تغذت بلبن ثار بوطئه ، فكيف يحل له أن ينكح من قد خلق من نفس مائه بوطئه ؟ وكيف يحرم الشارع بنته من الرضاع لما فيها من لبن كان وطء الرجل سببا فيه ، ثم يبيح له نكاح من خلقت بنفس وطئه ومائه ؟ هذا من المستحيل ؛ فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه ، فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية ، والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقة من مائه ، فنصفها أو أكثرها بعضه قطعا ، والشطر الآخر للأم ، وهذا قول جمهور المسلمين ، ولا يعرف [ ص: 507 ] في الصحابة من أباحها ، ونص المخلوقة من ماء الزاني رحمه الله على أن من تزوجها ، قتل بالسيف محصنا كان أو غيره . الإمام أحمد
وإذا كانت بنته من الرضاعة بنتا في حكمين فقط : الحرمة ، والمحرمية ، وتخلف سائر أحكام البنت عنها لم تخرجها عن التحريم ، وتوجب حلها ، فكذا بنته من الزنى تكون بنتا في التحريم ، وتخلف أحكام البنت عنها لا يوجب حلها ، والله سبحانه خاطب العرب بما تعقله في لغاتها ، ولفظ البنت لفظ لغوي لم ينقله الشارع عن موضعه الأصلي ، كلفظ الصلاة والإيمان ونحوهما ، فيحمل على موضوعه اللغوي حتى يثبت نقل الشارع له عنه إلى غيره ، فلفظ البنت كلفظ الأخ والعم والخال ألفاظ باقية على موضوعاتها اللغوية .
وقد ثبت في " الصحيح " وهذا الإنطاق لا يحتمل الكذب ، وأجمعت الأمة على أن الله تعالى أنطق ابن الراعي الزاني بقوله : أبي فلان الراعي . وخلقه من مائها وماء الزاني خلق واحد ، وإثمهما فيه سواء ، وكونه بعضا له مثل كونه بعضا لها ، وانقطاع الإرث بين الزاني والبنت لا يوجب جواز نكاحها ، ثم من العجب كيف يحرم صاحب هذا القول أن يستمني الإنسان بيده ، ويقول : هو نكاح ليده ، ويجوز للإنسان أن ينكح بعضه ، ثم يجوز له أن يستفرش بعضه الذي خلقه الله من مائه ، وأخرجه من صلبه ، كما يستفرش الأجنبية . تحريم أمه عليه