فالجواب أن لأجل رجعة [ ص: 596 ] الزوج ، بل جعل حريما للنكاح وعقوبة للزوج بتطويل مدة تحريمها عليه ، فإنه لو سوغ لها أن تتزوج بعد مجرد الاستبراء بحيضة لأمكن أن يتزوجها الثاني ويطلقها بسرعة ، إما على قصد التحليل أو بدونه ، فكان تيسير عودها إلى المطلق ، والشارع حرمها عليه بعد الثالثة عقوبة له ؛ لأن الطلاق الذي أبغض الحلال إلى الله إنما أباح منه قدر الحاجة ، وهو الثلاث ، وحرم المرأة بعد الثالثة حتى تنكح زوجا غيره ، وكان من تمام الحكمة أنها لا تنكح حتى تتربص ثلاثة قروء ، وهذا لا ضرر عليها به ، فإنها في كل مرة من الطلاق لا تنكح حتى تتربص ثلاثة قروء ، فكان التربص هناك نظرا في مصلحته لما لم يوقع الثلاث المحرمة ، وهنا التربص بالثلاث من تمام عقوبته ، فإنه عوقب بثلاثة أشياء أن حرمت عليه حبيبته وجعل تربصها ثلاثة قروء ، ولم يجز أن تعود إليه حتى يحظى بها غيره حظوة الزوج الراغب بزوجته المرغوب فيها ، وفي كل من ذلك عقوبة مؤلمة على إيقاع البغيض إلى الله المكروه له . الطلاق المحرم للزوجة لا يجب فيه التربص
فإذا علم أنه بعد الثالثة لا تحل له إلا بعد تربص وتزوج بزوج آخر وأن الأمر بيد ذلك الزوج ، ولا بد أن تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها ، علم أن المقصود أن ييأس منها فلا تعود إليه إلا باختيارها لا باختياره ، ومعلوم أن الزوج الثاني إذا كان قد نكح نكاح رغبة ، وهو النكاح الذي شرعه الله لعباده وجعله سببا لمصالحهم في المعاش والمعاد وسببا لحصول الرحمة والوداد ، فإنه لا يطلقها لأجل الأول بل يمسك امرأته فلا يصير لأحد من الناس اختيار في عودها إليه ، فإذا اتفق فراق الثاني لها بموت أو طلاق كما يفترق الزوجان اللذان هما زوجان أبيح للمطلق الأول نكاحها كما يباح للرجل نكاح مطلقة الرجل ابتداء ، وهذا أمر لم يحرمه الله سبحانه في الشريعة الكاملة المهيمنة على جميع الشرائع بخلاف الشريعتين قبلنا ، فإنه في شريعة التوراة قد قيل : إنها متى تزوجت بزوج آخر لم تحل للأول أبدا .
وفي شريعة الإنجيل قد قيل : إنه ليس له أن يطلقها البتة ، فجاءت هذه الشريعة الكاملة الفاضلة على أكمل الوجوه وأحسنها وأصلحها للخلق ، ولهذا لما كان التحليل مباينا للشرائع كلها [ ص: 597 ]