وقد قيل : إن تسريحها بإحسان مؤثر فيها حين تنقضي العدة ، ولكن ظاهر القرآن يدل على خلاف ذلك ، فإنه سبحانه جعل ، ومعلوم أن هذا الترك ثابت من أول المدة ، فالصواب أن التسريح إرسالها إلى أهلها بعد بلوغ الأجل ورفع يده عنها ، فإنه كان يملك حبسها مدة العدة ، فإذا بلغت أجلها فحينئذ إن أمسكها كان له حبسها وإن لم يمسكها كان عليه أن يسرحها بإحسان ، ويدل على هذا قوله تعالى في المطلقة قبل المسيس ( التسريح بإحسان عند بلوغ الأجل فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) [ الأحزاب 49 ] فأمر بالسراح الجميل ولا عدة ، فعلم أن تخلية سبيلها إرسالها كما يقال سرح الماء والناقة إذا مكنها من الذهاب ، وبهذا الإطلاق والسراح يكون قد تم تطليقها وتخليتها ، وقبل ذلك لم يكن الإطلاق تاما ، وقبل ذلك كان له أن يمسكها وأن يسرحها ، وكان مع كونه مطلقا قد جعل أحق بها من غيره مدة التربص ، وجعل التربص ثلاثة قروء لأجله ويؤيد هذا أشياء .
أحدها : أن الشارع جعل حيضة كما ثبتت به السنة وأقر به عدة المختلعة ، عثمان بن عفان ، وابن عباس رضي الله عنهم ، وحكاه وابن عمر في " ناسخه ومنسوخه " إجماع الصحابة ، وهو مذهب أبو جعفر النحاس إسحاق في أصح الروايتين عنه دليلا كما سيأتي تقرير المسألة عن قرب إن شاء الله تعالى . فلما لم يكن على المختلعة رجعة لم يكن عليها عدة ، بل [ ص: 595 ] استبراء بحيضة لأنها لما افتدت منه وبانت ملكت نفسها فلم يكن أحق بإمساكها فلا معنى لتطويل العدة عليها ، بل المقصود العلم ببراءة رحمها فيكفي مجرد الاستبراء . وأحمد بن حنبل
والثاني : أن قد جاءت السنة بأنها إنما تستبرأ بحيضة ، ثم تزوج كما سيأتي . المهاجرة من دار الحرب
الثالث أن الله سبحانه لم يشرع لها طلاقا بائنا بعد الدخول إلا الثالثة ، وكل طلاق في القرآن سواها فرجعي ، وهو سبحانه إنما ذكر القروء الثلاثة في هذا الطلاق الذي شرعه لهذه الحكمة . وأما المفتدية فليس افتداؤها طلاقا بل خلعا غير محسوب من الثلاث والمشروع فيه حيضة .
فإن قيل : فهذا ينتقض عليكم بصورتين .
إحداهما : بمن ، ولا يتمكن زوجها من رجعتها . استوفت عدد طلاقها فإنها تعتد ثلاثة قروء
الثانية : بالسنة كما في السنن من حديث بالمخيرة إذا عتقت تحت حر ، أو عبد ، فإن عدتها ثلاثة قروء رضي الله عنها : ( عائشة أن تعتد عدة الحرة بريرة ) وفي " سنن أمرت " : ( ابن ماجه ) أمرت أن تعتد ثلاث حيض ، ولا رجعة لزوجها عليها