والفرق بين القارن والمتمتع السائق من وجهين ، أحدهما : من الإحرام ، فإن القارن هو الذي يحرم بالحج قبل الطواف ، إما في ابتداء الإحرام ، أو في أثنائه .
والثاني : أن القارن ليس عليه إلا سعي واحد ، فإن أتى به أولا ، وإلا سعى عقيب طواف الإفاضة ، والمتمتع عليه سعي ثان عند الجمهور . وعن أحمد [ ص: 132 ] رواية أخرى : أنه يكفيه سعي واحد كالقارن ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسع سعيا ثانيا عقيب طواف الإفاضة ، فكيف يكون متمتعا على هذا القول .
فإن قيل : فعلى الرواية الأخرى ، يكون متمتعا ، ولا يتوجه الإلزام ، ولها وجه قوي من الحديث الصحيح ، وهو ما رواه في " صحيحه " ، عن مسلم جابر قال : الصفا والمروة إلا طوافا واحدا . طوافه الأول هذا ، مع أن أكثرهم كانوا متمتعين . وقد روى لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابه بين ، عن سفيان الثوري قال : حلف سلمة بن كهيل : ما طاف أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا . طاووس
قيل : الذين نظروا أنه كان متمتعا تمتعا خاصا ، لا يقولون بهذا القول ، بل يوجبون عليه سعيين ، والمعلوم من سنته - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه لم يسع إلا سعيا واحدا ، كما ثبت في الصحيح ، عن ، أنه قرن ، وقدم ابن عمر مكة ، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك ، ولم يحلق ولا قصر ، ولا حل من شيء حرم منه ، حتى كان يوم النحر ، فنحر وحلق رأسه ، ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، وقال : هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم . ومراده بطوافه الأول الذي قضى به حجه وعمرته : الطواف بين الصفا والمروة بلا ريب .
وذكر ، عن الدارقطني عطاء ونافع ، عن ، ابن عمر وجابر : مكة ، فلم يسع بينهما بعد الصدر . فهذا يدل على أحد أمرين ، ولا بد إما أن يكون قارنا ، [ ص: 133 ] وهو الذي لا يمكن من أوجب على المتمتع سعيين أن يقول غيره ، وإما أن المتمتع يكفيه سعي واحد ، ولكن الأحاديث التي تقدمت في بيان أنه كان قارنا صريحة في ذلك ، فلا يعدل عنها . . أن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما طاف لحجه وعمرته طوافا واحدا ، وسعى سعيا واحدا ، ثم قدم
فإن قيل : فقد روى شعبة ، عن ، عن حميد بن هلال مطرف عن ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( عمران بن حصين ) . رواه طاف طوافين ، وسعى سعيين عن الدارقطني ابن صاعد : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا عبد الله بن داود ، عن شعبة . قيل : هذا خبر معلول وهو غلط . قال : يقال : إن الدارقطني حدث بهذا من حفظه ، فوهم في متنه ، والصواب بهذا الإسناد : محمد بن يحيى ، والله أعلم . وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يدل على أن هذا الحديث غلط . أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قرن بين الحج والعمرة
وأظن أن الشيخ ، إنما ذهب إلى أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان متمتعا ، لأنه رأى أبا محمد بن قدامة قد نص على أن التمتع أفضل من القران ، ورأى أن الله سبحانه لم يكن ليختار لرسوله إلا الأفضل ، ورأى الأحاديث قد جاءت بأنه تمتع ، ورأى أنها صريحة في أنه لم يحل ، فأخذ من هذه المقدمات الأربع أنه تمتع تمتعا خاصا لم يحل منه ، ولكن الإمام أحمد أحمد لم يرجح التمتع ؛ لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - حج متمتعا ، كيف وهو القائل : لا أشك أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان قارنا ، وإنما اختار التمتع لكونه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الذي أمر به الصحابة أن يفسخوا حجهم إليه وتأسف على فوته .