ولكن نقل عنه المروزي ، أنه إذا ، فالقران أفضل ، فمن أصحابه من جعل هذا رواية ثانية ، ومنهم من جعل المسألة رواية واحدة ، وأنه إن ساق الهدي ، فالقران أفضل ، وإن لم يسق فالتمتع أفضل ، وهذه طريقة شيخنا ، وهي [ ص: 134 ] التي تليق بأصول ساق الهدي أحمد ، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يتمن أنه كان جعلها عمرة مع سوقه الهدي ، بل ود أنه كان جعلها عمرة ولم يسق الهدي .
بقي أن يقال : فأي الأمرين أفضل ، أن يسوق ويقرن ، أو يترك السوق ويتمتع كما ود النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله .
قيل : قد تعارض في هذه المسألة أمران .
أحدهما : أنه - صلى الله عليه وسلم - قرن وساق الهدي ، ولم يكن الله سبحانه ليختار له إلا أفضل الأمور ، ولا سيما وقد جاءه الوحي به من ربه تعالى ، وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم .
والثاني قوله : ( ) . فهذا يقتضي أنه لو كان هذا الوقت الذي تكلم فيه هو وقت إحرامه ، لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي ، لأن الذي استدبره هو الذي فعله ، ومضى فصار خلفه ، والذي استقبله هو الذي لم يفعله بعد ، بل هو أمامه ، فبين أنه لو كان مستقبلا لما استدبره ، وهو الإحرام بالعمرة دون هدي ، ومعلوم أنه لا يختار أن ينتقل عن الأفضل إلى المفضول ، بل إنما يختار الأفضل ، وهذا يدل على أن آخر الأمرين منه ترجيح التمتع . لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة
ولمن رجح القران مع السوق أن يقول : هو - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذا ؛ لأجل أن الذي فعله مفضول مرجوح ، بل لأن الصحابة شق عليهم أن يحلوا من إحرامهم مع بقائه هو محرما ، وكان يختار موافقتهم ليفعلوا ما أمروا به مع انشراح وقبول ومحبة ، وقد ينتقل عن الأفضل إلى المفضول ، لما فيه من الموافقة وتأليف القلوب ، كما ( قال : لعائشة الكعبة وجعلت لها بابين ) ، فهذا ترك ما هو الأولى لأجل الموافقة والتأليف ، فصار هذا هو الأولى [ ص: 135 ] في هذه الحال ، فكذلك اختياره للمتعة بلا هدي . وفي هذا جمع بين ما فعله وبين ما وده وتمناه ، ويكون الله سبحانه قد جمع له بين الأمرين ، أحدهما : بفعله له ، والثاني : بتمنيه ووده له ، فأعطاه أجر ما فعله ، وأجر ما نواه من الموافقة وتمناه ، وكيف يكون نسك يتخلله التحلل ولم يسق فيه الهدي أفضل من نسك لم يتخلله تحلل ، وقد ساق فيه مائة بدنة ، وكيف يكون نسك أفضل في حقه من نسك اختاره الله له ، وأتاه به الوحي من ربه . لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت
فإن قيل : التمتع وإن تخلله تحلل ، لكن قد تكرر فيه الإحرام ، وإنشاؤه عبادة محبوبة للرب ، والقران لا يتكرر فيه الإحرام ؟
قيل : في تعظيم شعائر الله بسوق الهدي ، والتقرب إليه بذلك من الفضل ما ليس في مجرد تكرر الإحرام ، ثم إن استدامته قائمة مقام تكرره ، وسوق الهدي لا مقابل له يقوم مقامه .