فصل
وأما القائلون : إنه أحرم بعمرة ، ثم أدخل عليها الحج ، فعذرهم قول : ابن عمر ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج . متفق عليه . تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، فساق معه الهدي من
وهذا ظاهر في أنه أحرم أولا بالعمرة ، ثم أدخل عليها الحج ، ويبين ذلك أيضا أن لما حج زمن ابن عمر ابن الزبير أهل بعمرة ثم قال : مكة ، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك ، ولم ينحر ، ولم يحلق ولم يقصر ، ولم يحل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر ، فنحر وحلق ، ورأى أن ذلك قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول . وقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي ، وأهدى هديا اشتراه بقديد ، ثم انطلق يهل بهما جميعا حتى قدم
فعند هؤلاء ، أنه كان متمتعا في ابتداء إحرامه ، قارنا في أثنائه ، وهؤلاء أعذر من الذين قبلهم ، جائز بلا نزاع يعرف ، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإدخال الحج على العمرة - رضي الله عنها - بإدخال الحج على العمرة ، فصارت قارنة ، ولكن سياق الأحاديث الصحيحة ، يرد على أرباب هذه المقالة . عائشة
[ ص: 145 ] فإن أنسا أخبر أنه حين صلى الظهر أهل بهما جميعا ، وفي " الصحيح " ( عن قالت : عائشة ) ، وذكرت الحديث رواه خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل ، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة " ، قالت : وكان من القوم من أهل بعمرة ، ومنهم من أهل بالحج ، فقالت : فكنت أنا ممن أهل بعمرة . مسلم
فهذا صريح في أنه لم يهل إذ ذاك بعمرة ، فإذا جمعت بين قول هذا ، وبين قولها في " الصحيح " : عائشة ، وبين قولها وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج ، والكل في " الصحيح " ، علمت أنها إنما نفت عمرة مفردة ، وأنها لم تنف عمرة القران ، وكانوا يسمونها تمتعا كما تقدم ، وأن ذلك لا يناقض إهلاله بالحج ، فإن عمرة القران في ضمنه ، وجزء منه ، ولا ينافي قولها : أفرد الحج ، فإن أعمال العمرة لما دخلت في أعمال الحج ، وأفردت أعماله ، كان ذلك إفرادا بالفعل . تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع
وأما التلبية بالحج مفردا ، فهو إفراد بالقول ، وقد قيل : إن حديث ، ابن عمر ، مروي بالمعنى من حديثه الآخر ، وأن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمتع في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج هو الذي فعل ذلك عام حجه في فتنة ابن عمر ابن الزبير ، وأنه بدأ فأهل بالعمرة ، ثم قال : ما شأنهما إلا واحد ، أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي ، فأهل بهما جميعا ، ثم قال في آخر الحديث : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنما أراد اقتصاره على طواف واحد ، وسعي واحد ، فحمل على المعنى ، وروي به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وإنما الذي فعل ذلك ، وهذا ليس ببعيد ، بل متعين ، فإن ابن عمر قالت عنه : " عائشة " لولا أن معي الهدي لأهللت بعمرة وأنس قال عنه : إنه حين صلى الظهر ، أوجب حجا وعمرة ؛ وعمر رضي الله عنه أخبر عنه أن الوحي جاءه من ربه فأمره بذلك .
[ ص: 146 ] فإن قيل : فما تصنعون بقول : إن الزهري عروة أخبره عن بمثل حديث عائشة سالم عن ؟ ابن عمر
قيل : الذي أخبرت به من ذلك ، هو أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف طوافا واحدا عن حجه وعمرته ، وهذا هو الموافق لرواية عائشة عروة عنها في " الصحيحين " ، بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا ، فهذا مثل الذي رواه وطاف الذين أهلوا بالعمرة سالم عن أبيه سواء . وكيف تقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وقد قالت : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " عائشة " ، وقالت : لولا أن معي الهدي لأهللت بعمرة ؟ فعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يهل في ابتداء إحرامه بعمرة مفردة والله أعلم . وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج