[ ص: 183 ] فصل
وأما العذر الثالث : وهو ، فذكروا منها ما رواه معارضة أحاديث الفسخ بما يدل على خلافها في " صحيحه " من حديث مسلم ، عن الزهري عروة ( عن رضي الله عنها ، قالت : عائشة مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " من أحرم بعمرة ولم يهد ، فليحلل ، ومن أحرم بعمرة وأهدى ، فلا يحل حتى ينحر هديه ، ومن أهل بحج فليتم حجه ) ، وذكر باقي الحديث . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج ، حتى قدمنا
ومنها : ما رواه في " صحيحه " أيضا من حديث مسلم مالك عن أبي الأسود ، عن عروة عنها : ( ) . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بالحج ، وأهل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالحج ، فأما من أهل بعمرة فحل ، وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة ، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر
ومنها : ما رواه : حدثنا ابن أبي شيبة ، عن محمد بن بشر العبدي ، حدثني محمد بن عمرو بن علقمة يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن ( قالت : عائشة بالبيت وبالصفا والمروة ، حل مما حرم منه حتى استقبل حجا ) . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للحج على ثلاثة أنواع : فمنا من أهل بعمرة وحجة ، ومنا من أهل بحج مفرد ، ومنا من أهل بعمرة مفردة ، فمن كان أهل بحج وعمرة معا ، لم يحل من شيء مما حرم منه حتى قضى مناسك الحج ، ومن أهل بحج مفرد ، لم يحل من شيء مما حرم منه حتى قضى مناسك الحج ، ومن أهل بعمرة مفردة فطاف
[ ص: 184 ] ومنها : ما رواه في " صحيحه " من حديث مسلم ابن وهب ، عن ، عن عمرو بن الحارث محمد بن نوفل ، العراق ، قال له : سل لي ، عن رجل أهل بالحج ، فإذا طاف عروة بن الزبير بالبيت أيحل أم لا ؟ فذكر الحديث ، وفيه : قد حج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأخبرتني أن أول شيء بدأ به حين قدم عائشة مكة ، أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم حج أبو بكر ، ثم كان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثم عمر مثل ذلك ، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة .
ثم معاوية ، ثم حججت مع أبي وعبد الله بن عمر ، فكان أول شيء بدأ به الطواف الزبير بن العوام بالبيت ، ثم لم تكن عمرة . ثم رأيت المهاجرين والأنصار ، يفعلون ذلك ، ثم لم تكن عمرة ، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ، ثم لم ينقضها بعمرة ، فهذا ابن عمر عندهم أفلا يسألونه ؟ ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف ابن عمر بالبيت ، ثم لا يحلون ، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبدآن بشيء أول من الطواف بالبيت ، تطوفان به ثم لا تحلان . أن رجلا من أهل
فهذا مجموع ما عارضوا به أحاديث الفسخ ، ولا معارضة فيها بحمد الله ومنه .
أما الحديث الأول ، وهو حديث عن الزهري عروة ، عن فغلط فيه عائشة عبد الملك بن شعيب ، أو أبوه شعيب ، أو جده الليث أو شيخه عقيل ، فإن الحديث رواه مالك ومعمر والناس ، عن عن الزهري عروة عنها ، وبينوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى أن يحل . فقال مالك عن عن يحيى بن سعيد عمرة عنها ( مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى [ ص: 185 ] بين الصفا والمروة أن يحل ) ، وذكر الحديث . قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لخمس ليال بقين لذي القعدة ، ولا نرى إلا الحج ، فلما دنونا من يحيى : فذكرت هذا الحديث ، فقال أتتك والله بالحديث على وجهه . للقاسم بن محمد
وقال منصور : عن إبراهيم ، عن الأسود ، عنها : ( بالبيت ، فأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من لم يكن ساق الهدي أن يحل ، فحل من لم يكن ساق الهدي ، ونساؤه لم يسقن فأحللن ) . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا نرى إلا الحج ، فلما قدمنا تطوفنا
وقال مالك ومعمر كلاهما عن عن ابن شهاب عروة ، عنها : ( ) . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم : " من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ولا يحل حتى يحل منهما جميعا
وقال : عن ابن شهاب عروة عنها ، بمثل الذي أخبر به سالم عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولفظه : ( ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق معه الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مكة قال للناس : " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وليقصر وليحل ثم ليهل بالحج وليهد ، فمن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ) ، وذكر باقي الحديث . تمتع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج فأهدى ، فساق معه الهدي من
[ ص: 186 ] وقال : عن عبد العزيز الماجشون عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن ، خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا نذكر إلا الحج . .. فذكر الحديث . وفيه قالت : عائشة مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه : " اجعلوها عمرة ، فأحل الناس إلا من كان معه الهدي " . فلما قدمت
وقال : عن الأعمش إبراهيم ، عن عائشة ، وذكر الحديث . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا نذكر إلا الحج ، فلما قدمنا أمرنا أن نحل
وقال عبد الرحمن بن القاسم : عن أبيه ( خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا سرف طمثت . قالت : فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا أبكي . فقال " ما يبكيك " ؟ قالت : فقلت والله لوددت أني لا أحج العام . .. عائشة ) ، فذكر الحديث . وفيه : عن مكة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " اجعلوها عمرة " ، قالت : فحل الناس إلا من كان معه الهدي . فلما قدمت
وكل هذه الألفاظ في " الصحيح " ، وهذا موافق لما رواه جابر ، ، وابن عمر وأنس ، وأبو موسى ، ، وابن عباس وأبو سعيد وأسماء ، والبراء ، وحفصة ، وغيرهم من أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - أصحابه كلهم بالإحلال إلا من ساق الهدي ، وأن يجعلوا حجهم عمرة . وفي اتفاق هؤلاء كلهم على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر أصحابه كلهم أن يحلوا ، وأن يجعلوا الذي قدموا به متعة ، إلا من ساق الهدي ، دليل على غلط هذه الرواية ووهم وقع فيها ، يبين ذلك أنها من رواية الليث عن عقيل ، عن ، عن الزهري عروة ، والليث بعينه هو الذي روى عن عقيل عن ، عن الزهري عروة عنها مثل ما رواه عن [ ص: 187 ] عن الزهري سالم ، عن أبيه في تمتع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمره لمن لم يكن أهدى أن يحل .
ثم تأملنا فإذا أحاديث يصدق بعضها بعضا ، وإنما بعض الرواة زاد على بعض ، وبعضهم اختصر الحديث ، وبعضهم اقتصر على بعضه ، وبعضهم رواه بالمعنى . والحديث المذكور ليس فيه منع من أهل بالحج من الإحلال ، وإنما فيه أمره أن يتم الحج ، فإن كان هذا محفوظا ، فالمراد به بقاؤه على إحرامه ، فيتعين أن يكون هذا قبل الأمر بالإحلال ، وجعله عمرة ، ويكون هذا أمرا زائدا قد طرأ على الأمر بالإتمام ، كما طرأ على التخيير بين الإفراد والتمتع والقران ، ويتعين هذا ولا بد ، وإلا كان هذا ناسخا للأمر بالفسخ ، والأمر بالفسخ ناسخا للإذن بالإفراد ، وهذا محال قطعا ، فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقضه ، والبقاء على الإحرام الأول ، هذا باطل قطعا ، فيتعين إن كان محفوظا أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ ، ولا يجوز غير هذا البتة ، والله أعلم . عائشة