فصل
ثم في دار آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وكانوا تسعين رجلا نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من أنس بن مالك الأنصار ، آخى بينهم على المواساة ، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر ، فلما [ ص: 57 ] أنزل الله عز وجل : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [ الأحزاب : 6 ] رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة .
وقد قيل : إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية ، واتخذ فيها عليا أخا لنفسه والثبت الأول ، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام ، [ ص: 58 ] وأخوة الدار ، وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار ، ولو آخى بين المهاجرين كان أحق الناس بأخوته أحب الخلق إليه ، ورفيقه في الهجرة ، وأنيسه في الغار ، وأكرمهم عليه وأفضل الصحابة ، وقد قال : ( أبو بكر الصديق أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام أفضل ) ، وفي لفظ : ( ولكن أخي وصاحبي ) وهذه الأخوة في الإسلام وإن كانت عامة كما قال : ( لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا ، لاتخذت ) فللصديق من هذه الأخوة أعلى مراتبها ، كما له من الصحبة أعلى مراتبها ، فالصحابة لهم الأخوة ومزية الصحبة ، ولأتباعه بعدهم الأخوة دون الصحبة . وددت أن قد رأينا إخواننا، قالوا : ألسنا إخوانك ؟ قال : أنتم أصحابي ، وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني