وشد حنظلة الغسيل ، وهو حنظلة بن أبي عامر على أبي سفيان ، فلما تمكن منه حمل على حنظلة شداد بن الأسود فقتله ، ( وكان جنبا فإنه سمع الصيحة وهو على امرأته ، فقام من فوره إلى الجهاد ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه " أن الملائكة تغسله " ثم قال : " سلوا أهله ؟ ما شأنه ؟ " فسألوا امرأته ، فأخبرتهم الخبر ) . وجعل الفقهاء هذا حجة ، أن ، يغسل اقتداء بالملائكة . الشهيد إذا قتل جنبا
وقتل المسلمون حامل لواء المشركين ، فرفعته لهم عمرة بنت علقمة الحارثية حتى اجتمعوا إليه ، وقاتلت أم عمارة ، وهي نسيبة بنت كعب المازنية قتالا شديدا ، وضربت عمرو بن قمئة بالسيف ضربات فوقته درعان كانتا عليه ، وضربها عمرو بالسيف فجرحها جرحا شديدا على عاتقها .
عمرو بن ثابت المعروف بالأصيرم من بني عبد الأشهل يأبى الإسلام ، فلما كان يوم أحد ، قذف الله الإسلام في قلبه للحسنى التي سبقت [ ص: 180 ] له منه ، فأسلم وأخذ سيفه ، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقاتل فأثبت بالجراح ، ولم يعلم أحد بأمره ، فلما انجلت الحرب ، طاف بنو عبد الأشهل في القتلى ، يلتمسون قتلاهم ، فوجدوا الأصيرم وبه رمق يسير ، فقالوا : والله إن هذا الأصيرم ، ما جاء به ، لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر ، ثم سألوه ما الذي جاء بك ؟ أحدب على قومك ، أم رغبة في الإسلام ؟ فقال : بل رغبة في الإسلام ، آمنت بالله ورسوله ، ثم قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابني ما ترون ، ومات من وقته ، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( هو من أهل الجنة ) . قال وكان : ولم يصل لله صلاة قط . أبو هريرة
ولما انقضت الحرب أبو سفيان على الجبل فنادى : أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أفيكم ؟ فلم يجيبوه . فقال : أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فلم يجيبوه ، ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قومه أن قوام الإسلام بهم ، فقال : أما هؤلاء ، فقد كفيتموهم ، فلم يملك عمر بن الخطاب عمر نفسه أن قال : يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله لك ما يسوءك ، فقال : قد كان في القوم مثلة لم آمر بها ، ولم تسؤني ، ثم قال : اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( " ألا تجيبونه " ؟ فقالوا : ما نقول ؟ قال " قولوا : الله أعلى وأجل " ثم قال : لنا العزى ولا عزى لكم . قال : " ألا تجيبونه ؟ قالوا : ما نقول ؟ قال : " قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم " ) . أشرف
[ ص: 181 ] فأمرهم بجوابه عند افتخاره بآلهته ، وبشركه تعظيما للتوحيد ، وإعلاما بعزة من عبده المسلمون ، وقوة جانبه ، وأنه لا يغلب ، ونحن حزبه وجنده ، ولم يأمرهم بإجابته حين قال : أفيكم محمد ؟ أفيكم ؟ أفيكم ابن أبي قحافة عمر ؟ بل قد روي أنه نهاهم عن إجابته ، وقال : لا تجيبوه ، لأن كلمهم لم يكن برد بعد في طلب القوم ، ونار غيظهم بعد متوقدة ، فلما قال لأصحابه : أما هؤلاء فقد كفيتموهم ، حمي ، واشتد غضبه ، وقال : كذبت يا عدو الله ، فكان في هذا الإعلام من الإذلال ، والشجاعة ، وعدم الجبن والتعرف إلى العدو في تلك الحال ما يؤذنهم بقوة القوم وبسالتهم ، وأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا ، وأنه وقومه جديرون بعدم الخوف منهم ، وقد أبقى الله لهم ما يسوءهم منهم ، وكان في الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة وهلة بعد ظنه وظن قومه أنهم قد أصيبوا ، من المصلحة ، وغيظ العدو وحزبه ، والفت في عضده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدا واحدا ، فكان سؤاله عنهم ، ونعيهم لقومه آخر سهام العدو وكيده ، فصبر له النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوفى كيده ، ثم انتدب له عمر بن الخطاب عمر ، فرد سهام كيده عليه ، وكان ترك الجواب أولا عليه أحسن ، وذكره ثانيا أحسن ، وأيضا فإن في ترك إجابته حين سأل عنهم إهانة له ، وتصغيرا لشأنه ، فلما منته نفسه موتهم ، وظن أنهم قد قتلوا ، وحصل له بذلك من الكبر والأشر ما حصل ، كان في جوابه إهانة له ، وتحقير ، وإذلال ، ولم يكن هذا مخالفا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تجيبوه ) فإنه إنما نهى عن إجابته حين سأل : أفيكم محمد ؟ أفيكم فلان ؟ أفيكم فلان ؟ ولم ينه عن إجابته حين قال : أما هؤلاء ، فقد قتلوا . وبكل حال ، فلا أحسن من ترك إجابته أولا ، ولا أحسن من إجابته ثانيا .
ثم قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، فأجابه عمر ، فقال : ( لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار ) .