ولما انهزم الناس لم ينهزم أنس بن النضر ، وقال : ( اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم ، فلقيه ، فقال : أين يا سعد بن معاذ أبا عمر ؟ فقال أنس : [ ص: 185 ] واها لريح الجنة يا سعد ، إني أجده دون أحد ، ثم مضى ، فقاتل القوم حتى قتل ، فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح ، وضربة بسيف ، ورمية بسهم ) .
وانهزم المشركون أول النهار كما تقدم ، فصرخ فيهم إبليس ! أي عباد الله ، أخزاكم الله ، فارجعوا من الهزيمة ، فاجتلدوا .
( ونظر حذيفة إلى أبيه ، والمسلمون يريدون قتله ، وهم يظنونه من المشركين ، فقال : أي عباد الله ! أبي ، فلم يفهموا قوله حتى قتلوه ، فقال : يغفر الله لكم ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه ، فقال قد تصدقت بديته على المسلمين ، فزاد ذلك حذيفة خيرا عند النبي صلى الله عليه وسلم ) .
( : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم زيد بن ثابت أحد أطلب ، فقال لي : إن رأيته فأقرئه مني السلام ، وقل له : يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك ؟ قال : فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته ، وهو بآخر رمق ، وفيه سبعون ضربة ، ما بين طعنة برمح ، وضربة بسيف ، ورمية بسهم ، فقلت : يا سعد بن الربيع سعد ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : أخبرني كيف تجدك ؟ فقال : وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام ، قل له : يا رسول الله ، أجد ريح الجنة ، وقل لقومي الأنصار : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف ، وفاضت نفسه من وقته ) . وقال
[ ص: 186 ] ( ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار ، وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل ، فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فنزل : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) ) الآية [ آل عمران : 142 ] .