فصل
وأصحابه جعفر بن أبي طالب [ ص: 295 ] ومعهم الأشعريون وفي هذه الغزوة قدم عليه صلى الله عليه وسلم ابن عمه أبو موسى وأصحابه ، وكان فيمن قدم معهم عبد الله بن قيس . قال أسماء بنت عميس أبو موسى : بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين أنا وأخوان لي أنا أصغرهما ، أحدهما أبو رهم والآخر أبو بردة في بضع وخمسين رجلا من قومي ، فركبنا سفينة ، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا وأصحابه عنده ، فقال جعفر بن أبي طالب جعفر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة ، فأقيموا معنا ، فأقمنا معه حتي قدمنا جميعا ، فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معهم ، وكان ناس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة .
قال : ( على أسماء بنت عميس حفصة فدخل عليها عمر فقال : من هذه ؟ قالت أسماء . فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم . فغضبت وقالت : يا عمر ، كلا والله ، لقد كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في أرض البعداء البغضاء ، وذلك في الله وفي رسوله ، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن كنا نؤذى ونخاف ، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك . فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ، إن عمر قال كذا وكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما قلت له ؟ قالت : قلت له كذا وكذا . فقال : ليس بأحق بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ) . وكان ودخلت أبو موسى وأصحاب السفينة يأتون أسماء أرسالا يسألونها عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
[ ص: 296 ] ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقبل جبهته وقال : ( خيبر أم بقدوم جعفر ) ؟ . والله ما أدري بأيهما أفرح ؛ بفتح
وأما ما روي في هذه القصة أن جعفرا لما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حجل ، يعني : مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعله أشباه الدباب الرقاصون أصلا لهم في الرقص ، فقال ، وقد رواه من طريق البيهقي عن الثوري أبي الزبير عن جابر : وفي إسناده إلى من لا يعرف . الثوري
قلت : ولو صح لم يكن في هذا حجة على جواز التشبه بالدباب والتكسر والتخنث في المشي المنافي لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن هذا لعله كان من عادة الحبشة تعظيما لكبرائها كضرب الجوك عند الترك ونحو ذلك ، فجرى جعفر على تلك العادة وفعلها مرة ثم تركها لسنة الإسلام ، فأين هذا من القفز والتكسر والتثني والتخنث ؟! وبالله التوفيق .
قال : ( موسى بن عقبة كانت بنو فزارة ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم ، فراسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يعينوهم ، وأن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا ، فأبوا عليه ، فلما فتح الله عليه خيبر أتاه من كان ثم من بني فزارة فقالوا : وعدك الذي وعدتنا . فقال : لكم ذو الرقيبة . جبل من جبال خيبر ، فقالوا : إذا نقاتلك . فقال : موعدكم كذا . فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا هاربين )
وقال : قال الواقدي أبو شييم المزني - وكان قد أسلم فحسن إسلامه - : ( لما نفرنا إلى أهلنا مع عيينة بن حصن رجع بنا عيينة ، فلما كان دون خيبر عرسنا من الليل ، ففزعنا ، فقال عيينة : أبشروا ، إني أرى الليلة في النوم أنني أعطيت ذا الرقيبة - جبلا بخيبر - قد والله أخذت برقبة محمد . فلما قدمنا خيبر قدم عيينة ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر . فقال : يا محمد ، أعطني ما غنمت من [ ص: 297 ] حلفائي ؛ فإني انصرفت عنك وقد فرغنا لك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت ولكن الصياح الذي سمعت نفرك إلى أهلك . قال : أجزني يا محمد ؟ قال : لك ذو الرقيبة . قال : وما ذو الرقيبة ؟ قال : الجبل الذي رأيت في النوم أنك أخذته ) فانصرف عيينة ، فلما رجع إلى أهله جاءه الحارث بن عوف فقال : ألم أقل لك : إنك توضع في غير شيء ، والله ليظهرن محمد على ما بين المشرق والمغرب ، يهود كانوا يخبروننا بهذا ، أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول : إنا نحسد محمدا على النبوة حيث خرجت من بني هارون ، وهو نبي مرسل ، ويهود لا تطاوعني على هذا ، ولنا منه ذبحان : واحد بيثرب وآخر بخيبر . قال الحارث : قلت لسلام : يملك الأرض جميعا ؟ قال : نعم والتوراة التي أنزلت على موسى ، وما أحب أن تعلم يهود بقولي فيه .