فصل
وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة بعد مقدمه من خيبر إلى شوال ، وبعث في [ ص: 318 ] خلال ذلك السرايا .
فمنها : " - رضي الله عنه - إلى أبي بكر الصديق نجد قبل سرية بني فزارة ، ومعه ، فوقع في سهمه جارية حسناء ، فاستوهبها منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفادى بها أسرى من المسلمين كانوا سلمة بن الأكوع بمكة " .
ومنها : عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في ثلاثين راكبا نحو سرية هوازن ، فجاءهم الخبر ، فهربوا وجاءوا محالهم ، فلم يلق منهم أحدا ، فانصرف راجعا إلى المدينة ، فقال له الدليل : هل لك في جمع من خثعم جاءوا سائرين ، وقد أجدبت بلادهم ؟ فقال عمر : لم يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم . ولم يعرض لهم .
ومنها : عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا ، فيهم سرية عبد الله بن أنيس ، إلى يسير بن رزام اليهودي ، فإنه بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يجمع غطفان ليغزوه بهم ، فأتوه بخيبر فقالوا : أرسلنا إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستعملك على خيبر ، فلم يزالوا حتى تبعهم في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين ، فلما بلغوا قرقرة نيار - وهي من خيبر على ستة أميال - ندم يسير ، فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن أنيس ، ففطن له عبد الله بن أنيس ، فزجر بعيره ، ثم اقتحم عن البعير يسوق القوم ، حتى إذا استمكن من يسير ، ضرب رجله فقطعها ، واقتحم يسير وفي يده مخرش من شوحط ، فضرب به وجه عبد الله فشجه مأمومة ، فانكفأ كل رجل من المسلمين ، على رديفه فقتله ، غير رجل من اليهود ، أعجزهم شدا ، ولم يصب من المسلمين أحد ، وقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبصق في شجة [ ص: 319 ] عبد الله بن أنيس ، فلم تقح ، ولم تؤذه حتى مات .
ومنها : بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك في ثلاثين رجلا ، فخرج إليهم ، فلقي رعاء الشاء ، فاستاق الشاء والنعم ، ورجع إلى سرية المدينة ، فأدركه الطلب عند الليل ، فباتوا يرمونهم بالنبل حتى فني نبل بشير وأصحابه ، فولى منهم من ولى ، وأصيب منهم من أصيب ، وقاتل بشير قتالا شديدا ، ورجع القوم بنعمهم وشائهم ، وتحامل بشير حتى انتهى إلى فدك ، فأقام عند يهود حتى برئت جراحه ، فرجع إلى المدينة .
ثم ، من بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى الحرقة جهينة وفيهم ، فلما دنا منهم بعث الأمير الطلائع ، فلما رجعوا بخبرهم ، أقبل حتى إذا دنا منهم ليلا ، وقد احتلبوا وهدءوا ، قام فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له ، وأن تطيعوني ، ولا تعصوني ، ولا تخالفوا أمري ، فإنه لا رأي لمن لا يطاع ، ثم رتبهم ، وقال : يا فلان أنت وفلان ، ويا فلان أنت وفلان ، لا يفارق كل منكما صاحبه وزميله ، وإياكم أن يرجع أحد منكم فأقول : أين صاحبك ؟ فيقول : لا أدري ، فإذا كبرت فكبروا وجردوا السيوف ، ثم كبروا وحملوا حملة واحدة ، وأحاطوا بالقوم ، وأخذتهم سيوف الله فهم يضعونها منهم حيث شاءوا وشعارهم "أمت أمت " أسامة بن زيد .
أسامة في أثر رجل منهم يقال له مرداس بن نهيك ، فلما دنا منه ولحمه بالسيف ، قال : لا إله إلا الله ، فقتله ، ثم استاقوا الشاء والنعم والذرية ، وكانت سهمانهم عشرة أبعرة لكل رجل أو عدلها من النعم ، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر بما صنع أسامة ، فكبر ذلك عليه ، وقال : " أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله ؟ فقال : إنما قالها متعوذا ، قال : فهلا شققت عن قلبه " ، ثم قال : "من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة " فما زال يكرر ذلك عليه حتى تمنى أن يكون أسلم [ ص: 320 ] يومئذ ، وقال : يا رسول الله أعطي الله عهدا ألا أقتل رجلا يقول : لا إله إلا الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بعدي" فقال : أسامة بعدك . وخرج