، فإنه أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت ولما استقر الفتح أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس كلهم إلا تسعة نفر أستار الكعبة ، وهم ، عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وعكرمة بن أبي جهل وعبد العزى بن خطل ، والحارث بن نفيل بن وهب ، ومقيس بن صبابة ، وهبار بن الأسود ، وقينتان لابن خطل ، كانتا تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب .
فأما ابن أبي سرح فأسلم فجاء به فاستأمن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل منه بعد أن أمسك عنه رجاء أن يقوم إليه بعض الصحابة فيقتله ، وكان قد أسلم قبل ذلك وهاجر ثم ارتد ورجع إلى عثمان بن عفان مكة . وأما فاستأمنت له امرأته بعد أن فر ، فأمنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقدم وأسلم وحسن إسلامه . عكرمة بن أبي جهل ،
وأما ابن خطل ، والحارث ، ومقيس ، وإحدى القينتين فقتلوا ، وكان مقيس قد أسلم ثم ارتد ، وقتل ولحق بالمشركين ، وأما هبار بن الأسود ، فهو الذي عرض - صلى الله عليه وسلم - حين هاجرت ، فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها ، ففر ثم أسلم وحسن إسلامه ، واستؤمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزينب بنت رسول الله لسارة ولإحدى القينتين فأمنهما فأسلمتا .
مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ، أو يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما [ ص: 363 ] حلت لي ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب ". فلما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس خطيبا ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ومجده بما هو أهله ، ثم قال : " يا أيها الناس إن الله حرم
ولما فتح الله مكة على رسوله ، وهي بلده ووطنه ، ومولده ، قال الأنصار فيما بينهم : أترون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها ؟ وهو يدعو على الصفا رافعا يديه ، فلما فرغ من دعائه قال : ماذا قلتم ؟ قالوا : لا شيء يا رسول الله ، فلم يزل بهم حتى أخبروه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " . معاذ الله ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم
" وهم فضالة بن عمير بن الملوح أن يقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالبيت ، فلما دنا منه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفضالة ؟ قال : نعم فضالة يا رسول الله ، قال : ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ قال : لا شيء ، كنت أذكر الله ، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " استغفر الله " ، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه ، وكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلي منه ، قال فضالة : فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت : هلم إلى الحديث ، فقلت : لا ، وانبعث فضالة يقول :
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك الله والإسلام لو قد رأيت محمدا وقبيله
بالفتح يوم تكسر الأصنام [ ص: 364 ] لرأيت دين الله أضحى بينا
والشرك يغشى وجهه الإظلام
وكانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت ، فأسلمت واستأمنت له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمنه ، فلحقت به باليمن فأمنته فردته ، وأقرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو عكرمة بن أبي جهل وصفوان على نكاحهما الأول .
ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تميم بن أسيد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم .
الكعبة ، فكسرت كلها ، منها : اللات ، والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، ونادى مناديه وبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراياه إلى الأوثان التي كانت حول بمكة : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره " .
فبعث إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان ليهدمها ، فخرج إليها في ثلاثين فارسا من أصحابه حتى انتهوا إليها فهدمها ، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : " خالد بن الوليد خالد وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عجوز عريانة سوداء ناشرة الرأس ، فجعل السادن يصيح بها ، فضربها خالد فجزلها باثنتين ورجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال : " نعم ، تلك العزى وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدا " ، وكانت بنخلة وكانت هل رأيت شيئا ؟ " قال : لا ، قال : " فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها ، فرجع لقريش وجميع بني [ ص: 365 ] كنانة ، وكانت أعظم أصنامهم ، وكان سدنتها بني شيبان .
ثم بعث إلى سواع وهو صنم عمرو بن العاص لهذيل ؛ ليهدمه ، قال عمرو : فانتهيت إليه وعنده السادن فقال : ما تريد ؟ قلت : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهدمه ، فقال : لا تقدر على ذلك ، قلت : لم ؟ قال : تمنع . قلت : حتى الآن أنت على الباطل ، ويحك فهل يسمع أو يبصر ؟ قال : فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته ، فلم نجد فيه شيئا ثم قلت للسادن : كيف رأيت ؟ قال : أسلمت لله .
ثم بعث سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة ، وكانت بالمشلل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم ، فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعندها سادن ، فقال السادن : ما تريد ؟ قلت : هدم مناة ، قال : أنت وذاك ، فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها ، فقال لها السادن : مناة دونك بعض عصاتك ، فضربها سعد فقتلها ، وأقبل إلى الصنم ومعه أصحابه فهدمه وكسروه ، ولم يجدوا في خزانته شيئا .