فصل
ومنها : ، وقد بلغه عنهم الكفر الصريح ، فاحتج به من قال : لا يقتل الزنديق إذا أظهر التوبة ; لأنهم حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ما قالوا ، وهذا إذا لم يكن إنكارا فهو توبة وإقلاع ، وقد قال أصحابنا وغيرهم : ومن شهد [ ص: 497 ] عليه بالردة فشهد أن لا إله إلا الله وأن تركه قتل المنافقين محمدا رسول الله لم يكشف عن شيء عنه بعد ، وقال بعض الفقهاء : إذا جحد الردة كفاه جحدها ، ومن لم يقبل توبة الزنديق قال : هؤلاء لم تقم عليهم بينة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحكم عليهم بعلمه ، والذي بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم قولهم لم يبلغهم إياه نصاب البينة ، بل شهد به عليهم واحد فقط ، كما شهد وحده على زيد بن أرقم عبد الله بن أبي ، وكذلك غيره أيضا إنما شهد عليه واحد
وفي هذا الجواب نظر ، فإن نفاق عبد الله بن أبي وأقواله في النفاق كانت كثيرة جدا كالمتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وبعضهم أقر بلسانه وقال : إنما كنا نخوض ونلعب ، وقد واجهه بعض الخوارج في وجهه بقوله : إنك لم تعدل ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له : ألا تقتلهم ؟ لم يقل : ما قامت عليهم بينة ، بل قال : لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه
فالجواب الصحيح إذن ، أنه كان في ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة تتضمن تأليف القلوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجمع كلمة الناس عليه ، وكان في قتلهم تنفير ، والإسلام بعد في غربة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص شيء على تأليف الناس ، وأترك شيء لما ينفرهم عن الدخول في طاعته ، وهذا أمر كان يختص بحال حياته صلى الله عليه وسلم ، وكذلك ترك قتل من طعن عليه في حكمه بقوله في قصة الزبير وخصمه : أن كان ابن عمتك
وفي قسمه بقوله : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ، وقول الآخر له : [ ص: 498 ] إنك لم تعدل ، فإن هذا محض حقه ، له أن يستوفيه ، وله أن يتركه ، وليس للأمة بعده ترك استيفاء حقه ، بل يتعين عليهم استيفاؤه ، ولا بد ولتقرير هذه المسائل موضع آخر ، والغرض التنبيه والإشارة