فصل
فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله بعد انصرافه من الصلاة ، وجلوسه بعدها ، وسرعة الانتقال منها ، وما شرعه لأمته من الأذكار والقراءة بعدها
كان ، وقال : ( إذا سلم استغفر ثلاثا ) . اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام
ولم يمكث مستقبل القبلة إلا مقدار ما يقول ذلك ، بل يسرع الانتقال إلى المأمومين .
وكان ينفتل عن يمينه وعن يساره ، وقال : ( ابن مسعود ) . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره
وقال أنس : ( ) والأول في [ ص: 286 ] "الصحيحين" . والثاني في " أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه " . مسلم
وقال : ( عبد الله بن عمرو ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة ) . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم ( ) كان يقبل على المأمومين بوجهه ، ولا يخص ناحية منهم دون ناحية
( ) . وكان إذا صلى الفجر ، جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس
( وكان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : " " . لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا [ ص: 287 ] معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد
وكان يقول : " ) لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة ، وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
وذكر أبو داود عن رضي الله عنه ، علي بن أبي طالب ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من الصلاة قال : ( اللهم اغفر لي ما قدمت ، وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت
[ ص: 288 ] هذه قطعة من حديث علي الطويل الذي رواه في مسلم ، وما كان يقوله في ركوعه وسجوده . استفتاحه عليه الصلاة والسلام
فيه لفظان . ولمسلم
أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله بين التشهد والتسليم ، وهذا هو الصواب .
والثاني : كان يقوله بعد السلام ، ولعله كان يقوله في الموضعين والله أعلم .
وذكر عن الإمام أحمد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم : ( يقول في دبر كل صلاة محمدا عبدك ورسولك ، اللهم ربنا ورب كل شيء ، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة ، اللهم ربنا ورب كل شيء ، اجعلني مخلصا لك وأهلي في كل ساعة من الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام ، اسمع واستجب ، الله أكبر الأكبر ، الله نور السماوات والأرض ، الله أكبر الأكبر ، حسبي الله ونعم الوكيل ، الله أكبر الأكبر ) رواه اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه ، أنا شهيد أنك الرب وحدك لا شريك لك ، اللهم ربنا ورب كل شيء ، أنا شهيد أن أبو داود .
وندب أمته إلى أن يقولوا في دبر كل صلاة : ( ) سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله كذلك ، والله أكبر كذلك ، وتمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وفي صفة أخرى : التكبير أربعا وثلاثين فتتم به المائة .
[ ص: 289 ] وفي صفة أخرى : ( خمسا وعشرين تسبيحة ، ومثلها تحميدة ، ومثلها تكبيرة ، ومثلها لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) .
وفي صفة أخرى : ( ) . عشر تسبيحات ، وعشر تحميدات ، وعشر تكبيرات
[ ص: 290 ] وفي صفة أخرى : "إحدى عشرة" كما في "صحيح " في بعض روايات حديث مسلم ( أبي هريرة ويسبحون ويحمدون ويكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، إحدى عشرة وإحدى عشرة وإحدى عشرة ، فذلك ثلاثة وثلاثون ) والذي يظهر في هذه الصفة ، أنها من تصرف بعض الرواة وتفسيره ، لأن لفظ الحديث : ( يسبحون ويحمدون ، ويكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ) وإنما مراده بهذا أن يكون الثلاث والثلاثون في كل واحدة من كلمات التسبيح والتحميد والتكبير ، أي قولوا : "سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ثلاثا وثلاثين" لأن راوي الحديث سمي عن ، وبذلك فسره أبي صالح السمان أبو صالح قال : " قولوا : ( سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون )
وأما تخصيصه بإحدى عشرة فلا نظير له في شيء من الأذكار بخلاف المائة ، فإن لها نظائر ، والعشر لها نظائر أيضا ، كما في السنن من حديث أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ) ، قال من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات ، كتب له عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه ، وحرس من الشيطان ، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله : حديث حسن صحيح . الترمذي
[ ص: 291 ] وفي "مسند " من حديث الإمام أحمد ، أنه صلى الله عليه وسلم ، ( أم سلمة فاطمة لما جاءت تسأله الخادم ، فأمرها : أن ، وإذا صلت الصبح أن تقول : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات ، وبعد صلاة المغرب ، عشر مرات تسبح الله عند النوم ثلاثا وثلاثين ، وتحمده ثلاثا وثلاثين ، وتكبره ثلاثا وثلاثين ) . علم ابنته
وفي "صحيح " عن ابن حبان يرفعه : ( أبي أيوب الأنصاري ) من قال إذا [ ص: 292 ] أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ، كتب له بهن عشر حسنات ، ومحي عنه بهن عشر سيئات ، ورفع له بهن عشر درجات ، وكن له عدل عتاقة أربع رقاب ، وكن له حرسا من الشيطان حتى يمسي ، ومن قالهن إذا صلى المغرب دبر صلاته فمثل ذلك حتى يصبح
وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح ( ) فالعشر في الأذكار والدعوات كثيرة . وأما الإحدى عشرة ، فلم يجئ ذكرها في شيء من ذلك البتة إلا في بعض طرق حديث الله أكبر عشرا ، والحمد لله عشرا ، وسبحان الله عشرا ، ولا إله إلا الله عشرا ، ويستغفر الله عشرا ، ويقول : اللهم اغفر لي ، واهدني وارزقني عشرا ، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة عشرا المتقدم والله أعلم . أبي هريرة
وقد ذكر أبو حاتم في "صحيحه" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند انصرافه من صلاته : ( ) اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي ، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بعفوك من نقمتك ، وأعوذ بك منك ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد
[ ص: 293 ] وذكر الحاكم في "مستدركه" أبي أيوب أنه قال : ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته حين ينصرف من صلاته يقول : ( اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي كلها ، اللهم أنعمني وأحيني وارزقني ، واهدني لصالح الأعمال والأخلاق ، إنه لا يهدي لصالحها إلا أنت ، ولا يصرف عن سيئها إلا أنت ) عن
وذكر في "صحيحه" عن ابن حبان الحارث بن مسلم التميمي قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( ، فإنك إن مت من يومك ، كتب الله لك جوارا من النار ، وإذا صليت المغرب ، فقل قبل أن تتكلم : اللهم أجرني من النار سبع مرات ؛ فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جوارا من النار إذا صليت الصبح ، فقلت قبل أن تتكلم : اللهم أجرني من النار سبع مرات ) .
وقد ذكر في "السنن الكبير" من حديث النسائي أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة ) وهذا الحديث تفرد به من ، عن محمد بن حمير ، عن محمد بن زياد الألهاني أبي أمامة ، ورواه عن النسائي الحسين بن بشر ، عن . وهذا الحديث من الناس من يصححه ، ويقول : محمد بن [ ص: 294 ] حمير الحسين بن بشر قد قال فيه : لا بأس به . وفي موضع آخر : ثقة . وأما المحمدان ، فاحتج بهما النسائي في "صحيحه" قالوا : فالحديث على رسمه ، ومنهم من يقول : هو موضوع ، وأدخله البخاري في كتابه في الموضوعات ، وتعلق على أبو الفرج ابن الجوزي ، وأن محمد بن حمير قال : لا يحتج به ، وقال أبا حاتم الرازي : ليس بقوي ، وأنكر ذلك عليه بعض الحفاظ ، ووثقوا يعقوب بن سفيان محمدا ، وقال : هو أجل من أن يكون له حديث موضوع ، وقد احتج به أجل من صنف في الحديث الصحيح ، وهو ، ووثقه أشد الناس مقالة في الرجال البخاري ، وقد رواه يحيى بن معين في "معجمه" أيضا من حديث الطبراني عبد الله بن حسن عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) . وقد روي هذا الحديث من حديث من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة ، كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى أبي أمامة ، ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، والمغيرة بن شعبة ، وجابر بن عبد الله ، وفيها كلها ضعف ، ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض مع تباين طرقها واختلاف مخارجها ، دلت على أن الحديث له أصل وليس بموضوع . وأنس بن مالك
وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية قدس الله روحه أنه قال : ما تركتها عقيب كل صلاة . وفي المسند والسنن عن قال : عقبة بن عامر " أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة . ورواه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن في [ ص: 295 ] "صحيحه" ، أبو حاتم ابن حبان والحاكم في "المستدرك" ، وقال : صحيح على شرط . ولفظ مسلم "بالمعوذتين" . الترمذي
وفي "معجم " ، و "مسند الطبراني " من حديث أبي يعلى الموصلي عمر بن نبهان ، وقد تكلم فيه عن جابر يرفعه : ( وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات ، قل هو الله أحد ) . فقال ثلاث من جاء بهن مع الإيمان ، دخل من أي أبواب الجنة شاء ، وزوج من الحور العين حيث شاء ، من عفا عن قاتله ، وأدى دينا خفيا ، أبو بكر رضي الله عنه : "أو إحداهن يا رسول الله" : قال : "أو إحداهن" .
وأوصى معاذا أن يقول في دبر كل صلاة : ( ) . اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده ، وكان شيخنا يرجح أن يكون قبل السلام ، فراجعته فيه ، فقال : دبر كل شيء منه ، كدبر الحيوان .