فصل 
وقد روى  مسلم  في " صحيحه " : من حديث  جابر بن عبد الله  قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( غطوا الإناء  ، وأوكوا السقاء ، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء ، أو سقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الداء  ) . وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم ، وقد عرفه من عرفه عقلاء الناس بالتجربة . قال  الليث بن سعد  أحد رواة الحديث : الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في السنة في كانون الأول منها . 
وصح عنه أنه ( أمر بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عودا  ) . وفي عرض  [ ص: 214 ] العود عليه من الحكمة ، أنه لا ينسى تخميره ، بل يعتاده حتى بالعود ، وفيه : أنه ربما أراد الدبيب أن يسقط فيه فيمر على العود ، فيكون العود جسرا له يمنعه من السقوط فيه . 
وصح عنه : أنه أمر عند إيكاء الإناء بذكر اسم الله ، فإن ذكر اسم الله عند تخمير الإناء يطرد عنه الشيطان ، وإيكاؤه يطرد عنه الهوام ، ولذلك أمر بذكر اسم الله في هذين الموضعين لهذين المعنيين . 
وروى  البخاري  في " صحيحه " من حديث  ابن عباس  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( نهى عن الشرب من في السقاء   ) . 
وفي هذا آداب عديدة ، منها : أن تردد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومة ورائحة كريهة يعاف لأجلها . 
ومنها : أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء ، فتضرر به . 
ومنها : أنه ربما كان فيه حيوان لا يشعر به ، فيؤذيه . 
ومنها : أن الماء ربما كان فيه قذاة أو غيرها لا يراها عند الشرب ، فتلج جوفه . 
ومنها : أن الشرب كذلك يملأ البطن من الهواء ، فيضيق عن أخذ حظه من الماء ، أو يزاحمه ، أو يؤذيه ، ولغير ذلك من الحكم . 
فإن قيل : فما تصنعون بما في " جامع  الترمذي   " : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بإداوة يوم أحد  ، فقال : ( اخنث فم الإداوة  ) ، ثم شرب منها من فيها ؟ قلنا :  [ ص: 215 ] نكتفي فيه بقول  الترمذي   : هذا حديث ليس إسناده بصحيح ،  وعبد الله بن عمر العمري  يضعف من قبل حفظه ، ولا أدري سمع من عيسى  أو لا ، انتهى . يريد عيسى بن عبد الله  الذي رواه عنه ، عن رجل من الأنصار . 
				
						
						
