فصل
وفي " سنن أبي داود " من حديث ، قال : ( أبي سعيد الخدري ، وأن ينفخ في الشراب الشرب من ثلمة القدح ) ، وهذا من الآداب التي تتم بها مصلحة الشارب ، فإن الشرب من ثلمة القدح فيه عدة مفاسد : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
أحدها : أن ما يكون على وجه الماء من قذى أو غيره يجتمع إلى الثلمة بخلاف الجانب الصحيح .
الثاني : أنه ربما شوش على الشارب ، ولم يتمكن من حسن الشرب من الثلمة .
الثالث : أن الوسخ والزهومة تجتمع في الثلمة ، ولا يصل إليها الغسل ، كما يصل إلى الجانب الصحيح .
الرابع : أن الثلمة محل العيب في القدح ، وهي أردأ مكان فيه ، فينبغي تجنبه ، وقصد الجانب الصحيح ، فإن الرديء من كل شيء لا خير فيه ، ورأى بعض السلف رجلا يشتري حاجة رديئة ، فقال : لا تفعل أما علمت أن الله نزع البركة من كل رديء .
[ ص: 216 ] الخامس : أنه ربما كان في الثلمة شق أو تحديد يجرح فم الشارب ، ولغير هذه من المفاسد .
وأما ، فإنه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يعاف لأجلها ، ولا سيما إن كان متغير الفم . وبالجملة : فأنفاس النافخ تخالطه ؛ ولهذا جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين النهي عن التنفس في الإناء والنفخ فيه في الحديث الذي رواه النفخ في الشراب وصححه ، عن الترمذي - رضي الله عنه - قال : ( ابن عباس ، أو ينفخ فيه نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتنفس في الإناء ) .
فإن قيل : فما تصنعون بما في " الصحيحين " من حديث أنس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ) ؟ قيل : نقابله بالقبول والتسليم ، ولا معارضة بينه وبين الأول ، فإن معناه أنه كان يتنفس في شربه ثلاثا ، وذكر الإناء لأنه آلة الشرب ، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح : ( كان يتنفس في الإناء ثلاثا إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات في الثدي ، أي في مدة الرضاع ) . أن