فصل
في هديه - صلى الله عليه وسلم - في علاج العشق
هذا مرض من أمراض القلب ، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه ، وإذا تمكن واستحكم ، عز على الأطباء دواؤه ، وأعيا العليل داؤه ، وإنما حكاه الله سبحانه في كتابه عن طائفتين من الناس : من النساء ، وعشاق الصبيان المردان ، فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف ، وحكاه عن قوم لوط ، فقال تعالى إخبارا عنهم لما جاءت الملائكة لوطا : ( وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) [ الحجر : 68 :73 ] .
وأما ما زعمه بعض من لم يقدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق قدره أنه ابتلي به في شأن ، وأنه رآها فقال : ( زينب بنت جحش سبحان مقلب القلوب ) . وأخذت بقلبه ، وجعل يقول : أمسكها حتى أنزل الله عليه : ( لزيد بن حارثة وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) [ ص: 245 ] [ الأحزاب : 37 ] ، فظن هذا الزاعم أن ذلك في شأن العشق ، وصنف بعضهم كتابا في العشق ، وذكر فيه عشق الأنبياء ، وذكر هذه الواقعة ، وهذا من جهل هذا القائل بالقرآن وبالرسل ، وتحميله كلام الله ما لا يحتمله ، ونسبته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما برأه الله منه ، فإن كانت تحت زينب بنت جحش ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تبناه ، وكان يدعى زيد بن حارثة زيد بن محمد ، وكانت زينب فيها شمم وترفع عليه ، فشاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلاقها ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( أمسك عليك زوجك واتق الله ) ، وأخفى في نفسه أن يتزوجها إن طلقها زيد ، وكان يخشى من قالة الناس أنه تزوج امرأة ابنه ؛ لأن زيدا كان يدعى ابنه ، فهذا هو الذي أخفاه في نفسه ، وهذه هي الخشية من الناس التي وقعت له .
ولهذا ذكر سبحانه هذه الآية يعدد فيها نعمه عليه لا يعاتبه فيها ، وأعلمه أنه لا ينبغي له أن يخشى الناس فيما أحل الله له ، وأن الله أحق أن يخشاه ، فلا يتحرج ما أحله له لأجل قول الناس ، ثم أخبره أنه سبحانه زوجه إياها بعد قضاء زيد وطره منها لتقتدي أمته به في ذلك ، ويتزوج الرجل بامرأة ابنه من التبني ، لا امرأة ابنه لصلبه ، ولهذا قال في آية التحريم : ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) [ ص: 246 ] [ النساء : 23 ] .
وقال في هذه السورة : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) [ الأحزاب : 40 ] ، وقال في أولها : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم ) [ الأحزاب : 4 ] ، فتأمل هذا الذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفع طعن الطاعنين عنه ، وبالله التوفيق .
نعم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب نساءه ، وكان أحبهن إليه - رضي الله عنها ، ولم تكن تبلغ محبته لها ولا لأحد سوى ربه نهاية الحب ، بل صح أنه قال : ( عائشة ) وفي لفظ : ( لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) . وإن صاحبكم خليل الرحمن