[ ص: 247 ] والعشق مركب من أمرين : استحسان للمعشوق ، وطمع في الوصول إليه ، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق ، وقد أعيت على كثير من العقلاء ، وتكلم فيها بعضهم بكلام يرغب عن ذكره إلى الصواب . علة العشق
فنقول : قد استقرت حكمة الله - عز وجل - في خلقه وأمره على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه ، وانجذاب الشيء إلى موافقه ومجانسه بالطبع ، وهروبه من مخالفه ، ونفرته عنه بالطبع ، فسر التمازج والاتصال في العالم العلوي والسفلي ، إنما هو التناسب والتشاكل ، والتوافق ، وسر التباين والانفصال إنما هو بعدم التشاكل والتناسب ، وعلى ذلك قام الخلق والأمر ، فالمثل إلى مثله مائل ، وإليه صائر ، والضد عن ضده هارب وعنه نافر ، وقد قال تعالى : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) [ الأعراف : 189 ] ، فجعل سبحانه علة سكون الرجل إلى امرأته كونها من جنسه وجوهره ، فعلة السكون المذكور - وهو الحب - كونها منه ، فدل على أن العلة ليست بحسن الصورة ، ولا الموافقة في القصد والإرادة ، ولا في الخلق والهدي ، وإن كانت هذه أيضا من أسباب السكون والمحبة .
وقد ثبت في " الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ) ، وفي " مسند الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " ، وغيره في سبب هذا الحديث : أن امرأة الإمام أحمد بمكة كانت تضحك الناس ، فجاءت إلى المدينة ، فنزلت على امرأة تضحك الناس ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( ) الحديث . الأرواح جنود مجندة
[ ص: 248 ] وقد استقرت شريعته سبحانه أن حكم الشيء حكم مثله ، فلا تفرق شريعته بين متماثلين أبدا ، ولا تجمع بين متضادين ، ومن ظن خلاف ذلك ، فإما لقلة علمه بالشريعة ، وإما لتقصيره في معرفة التماثل والاختلاف ، وإما لنسبته إلى شريعته ما لم ينزل به سلطانا ، بل يكون من آراء الرجال ، فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه ، وبالعدل والميزان قام الخلق والشرع ، وهو التسوية بين المتماثلين ، والتفريق بين المختلفين .
وهذا كما أنه ثابت في الدنيا ، فهو كذلك يوم القيامة . قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) [ الصافات : 22 ] .
قال - رضي الله عنه - وبعده عمر بن الخطاب رحمه الله : ( الإمام أحمد أزواجهم أشباههم ونظراؤهم ) .
وقال تعالى : ( وإذا النفوس زوجت ) [ التكوير : 7 ] أي : قرن كل صاحب عمل بشكله ونظيره ، فقرن بين المتحابين في الله في الجنة ، وقرن بين المتحابين في طاعة الشيطان في الجحيم ، فالمرء مع من أحب شاء أو أبى ، وفي " مستدرك الحاكم " ، وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ) . لا يحب المرء قوما إلا حشر معهم