فصل في قضائه صلى الله عليه وسلم على من أقر بالزنى  
ثبت في صحيح  البخاري   ومسلم  أن رجلا من أسلم  جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،  [ ص: 27 ] فاعترف بالزنى ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى شهد على نفسه أربع مرات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبك جنون ؟ " قال : لا . قال : " أحصنت "؟ قال : نعم ، فأمر به ، فرجم في المصلى ، فلما أذلقته الحجارة ، فر فأدرك ، فرجم حتى مات ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا ، وصلى عليه  . 
وفي لفظ لهما : أنه قال له :  " أحق ما بلغني عنك ؟ " قال : وما بلغك عني؟ قال : " بلغني أنك وقعت بجارية بني فلان " فقال : نعم ، قال : فشهد على نفسه أربع شهادات ، ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أبك جنون؟ " قال : لا ، قال : " أحصنت؟ " قال : نعم ، ثم أمر به فرجم  . 
وفي لفظ لهما : فلما شهد على نفسه أربع شهادات ، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أبك جنون ؟ " قال : لا . قال : " أحصنت؟ " ؟ قال : نعم . قال : " اذهبوا به فارجموه "  . 
وفي لفظ  للبخاري   : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " لعلك قبلت أو غمزت ، أو نظرت "! قال : لا يا رسول الله . قال : " أنكتها؟ " لا يكني ، قال : نعم ، فعند ذلك أمر برجمه  . 
وفي لفظ لأبي داود   : أنه شهد على نفسه أربع مرات ، كل ذلك يعرض عنه ، فأقبل في الخامسة ، قال : " أنكتها ؟ " قال : نعم . قال : " حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟ " قال : نعم . قال : " كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر ؟ " قال : نعم . قال : " فهل تدري ما الزنى ؟ " قال : نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا . قال : " فما تريد بهذا القول ؟ " قال : أريد أن تطهرني ، قال : فأمر به فرجم  . 
 [ ص: 28 ] وفي " السنن " : أنه لما وجد مس الحجارة ، قال : يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن قومي قتلوني ، وغروني من نفسي ، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي  . 
وفي " صحيح  مسلم   " : فجاءت الغامدية  فقالت : يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني ، وأنه ردها ، فلما كان من الغد ، قالت : يا رسول الله لم تردني ، لعلك أن تردني كما رددت ماعزا  ؟ فوالله إني لحبلى ، قال : " إما لا ، فاذهبي حتى تلدي " ، فلما ولدت ، أتته بالصبي في خرقة ، قالت : هذا قد ولدته ، قال : " اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه " ، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز ، فقالت : هذا يا نبي الله قد فطمته ، وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، فأقبل  خالد بن الوليد  بحجر ، فرمى رأسها ، فانتضح الدم على وجهه ، فسبها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده ، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " ثم أمر بها ، فصلى عليها ، ودفنت  . 
وفي " صحيح  البخاري   " : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ، ولم يحصن   [ ص: 29 ] بنفي عام ، وإقامة الحد عليه  . 
وفي " الصحيحين " : أن رجلا قال له : أنشدك بالله إلا قضيت بيننا بكتاب الله ، فقام خصمه ، وكان أفقه منه ، فقال : صدق اقض بيننا بكتاب الله ، وائذن لي ، فقال : " قل " قال : إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته ، فافتديت منه بمائة شاة وخادم ، وإني سألت أهل العلم ، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال : " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، المائة والخادم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس  على امرأة هذا ، فاسألها ، فإن اعترفت فارجمها " ، فاعترفت فرجمها  . 
وفي " صحيح  مسلم   " عنه صلى الله عليه وسلم : " الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام  " . 
 [ ص: 30 ] فتضمنت هذه الأقضية رجم الثيب  ، وأنه لا يرجم حتى يقر أربع مرات ، وأنه إذا أقر دون الأربع ، لم يلزم بتكميل نصاب الإقرار ، بل للإمام أن يعرض عنه ، ويعرض له بعدم تكميل الإقرار . 
وأن إقرار زائل العقل بجنون أو سكر  ملغى لا عبرة به ، وكذلك طلاقه وعتقه وأيمانه ووصيته . 
وجواز إقامة الحد في المصلى  ، وهذا لا يناقض نهيه أن تقام الحدود في المساجد . 
وأن الحر المحصن إذا زنى بجارية  ، فحده الرجم ، كما لو زنى بحرة . وأن الإمام يستحب له أن يعرض للمقر بأن لا يقر ، وأنه يجب استفسار المقر  في محل الإجمال ، لأن اليد والفم والعين لما كان استمتاعها زنى استفسر عنه دفعا لاحتماله . 
وأن الإمام له أن يصرح باسم الوطء الخاص به عند الحاجة إليه  ، كالسؤال عن الفعل . 
وأن الحد لا يجب على جاهل بالتحريم  ، لأنه صلى الله عليه وسلم سأله عن حكم الزنى ، فقال : أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من أهله حلالا . 
وأن الحد لا يقام على الحامل  ، وأنها إذا ولدت الصبي أمهلت حتى ترضعه وتفطمه ، وأن المرأة يحفر لها دون الرجل ، وأن الإمام لا يجب عليه أن يبدأ بالرجم . 
وأنه لا يجوز سب أهل المعاصي إذا تابوا  ، وأنه يصلى على من قتل في حد الزنى  ، وأن المقر إذا استقال في أثناء الحد ، وفر  ، ترك ولم يتمم عليه الحد ،  [ ص: 31 ] فقيل : لأنه رجوع . وقيل : لأنه توبة قبل تكميل الحد ، فلا يقام عليه كما لو تاب قبل الشروع فيه . وهذا اختيار شيخنا . 
وأن الرجل إذا أقر أنه زنى بفلانة  ، لم يقم عليه حد القذف مع حد الزنى . وأن ما قبض من المال بالصلح الباطل باطل يجب رده . 
وأن الإمام له أن يوكل في استيفاء الحد   . 
وأن الثيب لا يجمع عليه بين الجلد والرجم  ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد ماعزا  ولا الغامدية  ، ولم يأمر أنيسا  أن يجلد المرأة التي أرسله إليها ، وهذا قول الجمهور ، وحديث عبادة   : خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : الثيب بالثيب جلد مائة والرجم منسوخ . فإن هذا كان في أول الأمر عند نزول حد الزاني ، ثم رجم ماعزا  والغامدية  ، ولم يجلدهما ، وهذا كان بعد حديث عبادة  بلا شك ، وأما حديث جابر  في " السنن " : أن رجلا زنى ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد الحد ، ثم أقر أنه محصن ، فأمر به فرجم . فقد قال جابر  في الحديث نفسه : إنه لم يعلم بإحصانه ، فجلد ، ثم علم بإحصانه فرجم  . رواه أبو داود   . 
وفيه : أن الجهل بالعقوبة لا يسقط الحد  إذا كان عالما بالتحريم ، فإن ماعزا  لم يعلم أن عقوبته القتل ، ولم يسقط هذا الجهل الحد عنه . 
وفيه : أنه يجوز للحاكم أن يحكم بالإقرار في مجلسه ، وإن لم يسمعه معه شاهدان  ، نص عليه أحمد  ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأنيس   : فإن اعترفت بحضرة شاهدين فارجمها . 
وأن الحكم إذا كان حقا محضا لله لم يشترط الدعوى به عند الحاكم . وأن الحد إذا وجب على امرأة ، جاز للإمام أن يبعث إليها من يقيمه عليها ، ولا  [ ص: 32 ] يحضرها ، وترجم  النسائي  على ذلك : صونا للنساء عن مجلس الحكم . وأن الإمام والحاكم والمفتي يجوز له الحلف على أن هذا حكم الله عز وجل إذا تحقق ذلك ، وتيقنه بلا ريب ، وأنه يجوز التوكيل في إقامة الحدود  ، وفيه نظر ، فإن هذا استنابة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وتضمن تغريب المرأة  كما يغرب الرجل ، لكن يغرب معها محرمها إن أمكن ، وإلا فلا ، وقال مالك   : لا تغريب على النساء ؛ لأنهن عورة . 
				
						
						
