فصل
وكان ، ثم نزل فجمع بينهما ، فإن زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ) . وكان إذا أعجله السير أخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء في وقت العشاء . من هديه صلى الله عليه وسلم أنه إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر
وقد روي عنه في غزوة تبوك أنه كان إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر فيصليهما جميعا ، وكذلك في المغرب والعشاء ، لكن اختلف في هذا الحديث ، فمن مصحح له ، ومن محسن ، ومن قادح فيه ، وجعله موضوعا كالحاكم ، وإسناده على شرط الصحيح ، لكن رمي بعلة عجيبة ، قال الحاكم : حدثنا ، حدثنا أبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل ، عن أن النبي صلى الله عليه وسلم ( معاذ بن جبل تبوك إذا ارتحل قبل أن [ ص: 460 ] تزيغ الشمس ، أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر ويصليهما جميعا ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب ) كان في غزوة
قال الحاكم : هذا الحديث رواته أئمة ثقات ، وهو شاذ الإسناد والمتن ، ثم لا نعرف له علة نعله بها . فلو كان الحديث عن الليث ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، لعللنا به الحديث . ولو كان عن ، عن يزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل ، لعللنا به ، فلما لم نجد له العلتين خرج عن أن يكون معلولا ، ثم نظرنا فلم نجد عن ليزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل رواية ، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عن أحد من أصحاب أبي الطفيل ، ولا عن أحد ممن روى عن غير معاذ بن جبل أبي الطفيل ، فقلنا : الحديث شاذ .
وقد حدثوا عن أبي العباس الثقفي قال : كان يقول لنا : على هذا الحديث علامة قتيبة بن سعيد ، أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي خيثمة ، حتى عد قتيبة سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث ، وأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبا من إسناده ومتنه ، ثم لم يبلغنا عن أحد منهم أنه ذكر للحديث علة ، ثم قال : فنظرنا فإذا الحديث موضوع ، وقتيبة ثقة مأمون ، ثم ذكر بإسناده إلى . قال : قلت البخاري : مع من كتبت عن لقتيبة بن سعيد حديث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أبي الطفيل ؟ قال : كتبته مع خالد بن القاسم أبي الهيثم المدائني . قال : وكان البخاري خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ .
قلت : وحكمه بالوضع على هذا الحديث غير مسلم ، فإن أبا داود رواه عن [ ص: 461 ] يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ، حدثنا ، عن المفضل بن فضالة ، عن الليث بن سعد ، عن هشام بن سعد أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ فذكره . . . " فهذا المفضل قد تابع قتيبة ، وإن كان قتيبة أجل من المفضل وأحفظ ، لكن زال تفرد قتيبة به ، ثم إن قتيبة صرح بالسماع فقال : حدثنا ولم يعنعن ، فكيف يقدح في سماعه ، مع أنه بالمكان الذي جعله الله به من الأمانة ، والحفظ ، والثقة ، والعدالة .
وقد روى : حدثنا إسحاق بن راهويه شبابة ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ، عن ابن شهاب أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ) . وهذا إسناد كما ترى ، كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر ، ثم ارتحل الثقة المتفق على الاحتجاج بحديثه ، وقد روى له وشبابة : هو شبابة بن سوار في " صحيحه " عن مسلم بهذا الإسناد على شرط الشيخين ، وأقل درجاته أن يكون مقويا لحديث الليث بن سعد معاذ وأصله في " الصحيحين " لكن ليس فيه جمع التقديم .
ثم قال أبو داود : وروى هشام ، عن عروة ، عن حسين بن عبد الله ، عن كريب ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث ابن عباس المفضل ، يعني حديث معاذ في الجمع والتقديم ، ولفظه عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، عن كريب ، عن ، أنه قال : ابن عباس ، ورواه ألا أخبركم عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ؟ كان إذا زالت الشمس وهو في منزله ، جمع بين الظهر والعصر في الزوال ، وإذا سافر [ ص: 462 ] قبل أن تزول الشمس ، أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر ، قال : وأحسبه قال في المغرب والعشاء مثل ذلك من حديث الشافعي ابن أبي يحيى ، عن حسين ، ومن حديث بلاغا عن ابن عجلان حسين .
قال : هكذا رواه الأكابر ، البيهقي وغيره ، عن هشام بن عروة حسين بن عبد الله . ورواه عبد الرزاق ، عن ، عن ابن جريج حسين ، عن عكرمة ، وعن كريب كلاهما ، عن ، ورواه ابن عباس أيوب ، عن أبي قلابة ، عن ، قال : ولا أعلمه إلا مرفوعا . ابن عباس
وقال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثني أخي ، عن إسماعيل بن أبي إدريس سليمان بن مالك ، عن ، عن هشام بن عروة كريب ، عن ، قال : ( ابن عباس ) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير فراح قبل أن تزيغ الشمس ركب فسار ثم نزل ، فجمع بين الظهر والعصر ، وإذا لم يرح حتى تزيغ الشمس جمع بين الظهر والعصر ، ثم ركب ، وإذا أراد أن يركب ودخلت صلاة المغرب ، جمع بين المغرب وبين صلاة العشاء
قال : روى أبو العباس بن سريج ، عن يحيى بن عبد الحميد ، عن أبي خالد الأحمر الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ، قال : ( ابن عباس ) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يرتحل حتى تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ، فإذا لم تزغ أخرها حتى يجمع بينهما في وقت العصر
قال : ويدل على جمع التقديم جمعه شيخ الإسلام ابن تيمية بعرفة بين الظهر والعصر لمصلحة الوقوف ، ليتصل وقت الدعاء ، ولا يقطعه بالنزول لصلاة العصر مع إمكان ذلك بلا مشقة ، فالجمع كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى .
قال : وكان أرفق به يوم الشافعي عرفة تقديم العصر لأن يتصل له الدعاء ، فلا يقطعه بصلاة العصر ، وأرفق بالمزدلفة أن يتصل له المسير ، ولا يقطعه بالنزول [ ص: 463 ] للمغرب ؛ لما في ذلك من التضييق على الناس . والله أعلم .