وأما مقدار الصاع والمد  ، ففيه ثلاثة أقوال : 
أحدها : أن الصاع خمسة أرطال وثلث ، والمد ربعه ، وهذا قول أهل  الحجاز   في الأطعمة والمياه . وقصة  مالك  مع  أبي يوسف  فيه مشهورة ، وهو قول  الشافعي  وكثير من أصحاب  أحمد  أو أكثرهم . 
والثاني : أنه ثمانية أرطال ، والمد ربعه . وهو قول أهل العراق   في الجميع . 
والقول الثالث : أن صاع الطعام خمسة أرطال وثلث ، وصاع الطهارة ثمانية أرطال . كما جاء بكل واحد منهما الأثر . فصاع الزكوات والكفارات وصدقة الفطر : هو ثلثا صاع الغسل والوضوء ، وهذا قول طائفة من أصحاب  أحمد  وغيرهم ممن جمع بين الأخبار المأثورة في هذا الباب لمن تأمل الأخبار الواردة في ذلك . 
 [ ص: 134 ] ومن أصولها : أن  أبا حنيفة  أوسع في إيجابها من غيرها ، فإنه يوجب في الخيل السائمة المشتملة على الآثار ، ويوجبها في كل خارج من الأرض ، ويوجبها في جميع أنواع الذهب والفضة من الحلي المباح وغيره . ويجعل الركاز المعدن  وغيره ، فيوجب فيه الخمس ، لكنه لا يوجب ما سوى صدقة الفطر والعشر إلا على مكلف ، ويجوز الاحتيال لإسقاطها ، واختلف أصحابه : هل هو مكروه أم لا ؟ فكرهه  محمد  ، ولم يكرهه  أبو يوسف  ، وأما  مالك   والشافعي     : فاتفقا على أنه لا يشترط لها التكليف بما في ذلك من الآثار الكثيرة عن الصحابة . 
ولم يوجبها في الخيل ، ولا في الحلي المباح ، ولا في الخارج ، إلا ما تقدم ذكره . وحرم  مالك  الاحتيال لإسقاطها ، وأوجبها مع الحيلة . وكره  الشافعي  الحيلة في إسقاطها [ولم يحرمه] . 
وأما  أحمد     : فهو في الوجوب بين   أبي حنيفة  ومالك  ، كما تقدم في المعشرات ، وهو يوجبها في مال المكلف وغير المكلف . 
واختلف قوله في الحلي المباح  ، وإن كان المنصور عند أصحابه : أنه لا يجب ، وقوله في الاحتيال كقول  مالك  يحرم الاحتيال لسقوطها ، ويوجبها مع الحيلة ، كما دلت عليه سورة نون وغيرها من الدلائل . 
والأئمة الأربعة وسائر الأمة - إلا من شذ - متفقون على وجوبها في عرض التجارة  ، سواء كان التاجر مقيما أو مسافرا ، وسواء كان   [ ص: 135 ] متربصا وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخرها إلى وقت ارتفاع السعر - أو مديرا كالتجار الذين في الحوانيت ، سواء كانت التجارة بزا من جديد ، أو لبيس ، أو طعاما من قوت أو فاكهة ، أو أدم ، أو غير ذلك ، أو كانت آنية كالفخار ونحوه ، أو حيوانا من رقيق أو خيلا ، أو بغالا ، أو حميرا ، أو غنما معلوفة ، أو غير ذلك ، فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة ، كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة . 
				
						
						
