: الأسباب الباعثة على الغيبة
منها : التشفي ، وذلك إذا جرى سبب غضب به عليه ، فإنه إذا هاج فيشتفي بذكر مساوئه ، فسبق اللسان إليه بالطبع إن لم يكن ثم دين وازع ، وقد يمتنع تشفي الغيظ عند الغضب ، فيحتقن في الباطن فيصير حقدا ثابتا ، فيكون سببا دائما لذكر المساوئ ، فالحقد والغضب من البواعث العظيمة على الغيبة .
ومنها : موافقة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام ، فإنهم إذا كانوا يتفكهون بذكر الأعراض ، فيرى أنه لو أنكر عليهم أو قطع المجلس - استثقلوه ونفروا عنه ، فيساعدهم ويرى ذلك من حسن [ ص: 199 ] المعاشرة ، وقد يغضب رفقاؤه ، فيضطر إلى أن يغضب لغضبهم إظهارا للمساهمة في السراء والضراء ، فيخوض معهم في ذكر العيوب والمساوئ .
ومنها : إرادة التصنع والمباهاة ، وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره .
ومنها : الحسد يحسد من يثني الناس عليه ويحبونه ويكرمونه ، فيريد زوال تلك النعمة عنه ، فلا يجد سبيلا إليه إلا بالقدح فيه حتى يكفوا عن الثناء عليه وإكرامه ؛ لأنه يثقل عليه ذلك .
ومنها : اللعب والهزل وتزجية الوقت بالضحك ، فيذكر عيوب غيره بما يضحك الناس على سبيل المحاكاة والتعجب .
ومنها : السخرية والاستهزاء استحقارا له ، ومنشؤه التكبر واستجهال المستهزأ به .
وثمة أسباب غامضة فيها دسائس للشيطان ، وهي أن يذكر إنسان في حالة التعجب أو الرحمة أو الغضب لله تعالى فيقول مثلا : تعجبت من فلان كيف يجلس بين يدي فلان وهو جاهل ! فيكون تعجبه من المنكر لصدقه ، أو يقول : مسكين فلان ، غمني أمره وما ابتلي به ، وهو صادق في الاغتمام ، وكذا قد يغضب على منكر قارفه إنسان فيظهر غضبه ويذكر اسمه ، والواجب في ذلك ستر اسمه وعدم إظهاره على غيره ، ولا عذر في ذكر الاسم في ذلك .