35 - دفع التعسف عن إخوة يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : في رجلين قال أحدهما : إن إخوة يوسف عليه السلام أنبياء ، وقال الآخر : ليسوا بأنبياء فمن أصاب ؟
الجواب : في إخوة يوسف عليه السلام قولان للعلماء ، والذي عليه الأكثرون سلفا وخلفا أنهم ليسوا بأنبياء ، أما السلف فلم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم قالوا بنبوتهم - كذا قال ابن تيمية ، ولا أحفظه عن أحد من التابعين ، وأما أتباع التابعين ، فنقل عن ابن [ ص: 368 ] زيد أنه قال بنبوتهم ، وتابعه على هذا فئة قليلة ، وأنكر ذلك أكثر الأتباع فمن بعدهم ، وأما الخلف ، فالمفسرون فرق ؛ منهم من قال بقول ابن زيد ، ومنهم من بالغ في رده كالبغوي كالقرطبي ، والإمام فخر الدين ، وابن كثير ، ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي ، ومنهم من لم يتعرض للمسألة ، ولكن ذكر ما يدل على عدم كونهم أنبياء كتفسيره الأسباط بمن نبئ من بني إسرائيل ، والمنزل إليهم بالمنزل إلى أنبيائهم ، كأبي الليث السمرقندي والواحدي ، ومنهم من لم يذكر شيئا من ذلك ، ولكن فسر الأسباط بأولاد يعقوب ، فحسبه ناس قولا بنبوتهم ، وإنما أريد بهم ذريته لا بنوه لصلبه ، كما سيأتي تحرير ذلك ، قال في الشفا : إخوة القاضي عياض يوسف لم تثبت نبوتهم ، وذكر الأسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الأنبياء قال المفسرون : يريد من نبئ من أبناء الأسباط ، فانظر إلى هذا النقل عن المفسرين من مثل القاضي ، وقال ابن كثير : اعلم أنه لم يقم دليل على ، وظاهر سياق القرآن يدل على خلاف ذلك ، ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك ، وفي هذا نظر ، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل ، ولم يذكروا سوى قوله تعالى : ( نبوة إخوة يوسف وما أنزل إلى إبراهيم ) إلى قوله ( والأسباط ) وهذا فيه احتمال ; لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم : الأسباط كما يقال للعرب : قبائل ، وللعجم : شعوب ، فذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالا ; لأنهم كثيرون ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف ، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم . انتهى .
وقال الواحدي : الأسباط من ولد إسحاق بمنزلة القبائل من ولد إسماعيل ، وكان في الأسباط أنبياء ، وقال في قوله تعالى : ( ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب ) يعني المختصين بالنبوة منهم ، وقال السمرقندي في قوله تعالى : ( وما أنزل إلينا ) إلى قوله : ( والأسباط ) السبط بلغتهم بمنزلة القبيلة للعرب ، وما أنزل على أنبيائهم وهم كانوا يعملون به ، فأضاف إليهم كما أنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فأضاف إلى أمته ، فقال : وما أنزل إلينا فكذلك الأسباط أنزل على أنبيائهم فأضاف إليهم ; لأنهم كانوا يعملون به ، وقال في قوله تعالى : ( إنا أوحينا إليك ) إلى قوله : ( والأسباط ) هم أولاد يعقوب أوحي إلى أنبيائهم ، ثم رأيت الشيخ تقي الدين بن تيمية ألف في هذه المسألة مؤلفا خاصا قال فيه ما ملخصه : الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوةيوسف ليسوا بأنبياء [ ص: 369 ] وليس في القرآن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم ، وإنما احتج من قال : إنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء ( والأسباط ) وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب ، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذريته كما يقال فيهم أيضا بنو إسرائيل ، وقد كان في ذريته الأنبياء فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل ، قال أبو سعيد الضرير : أصل السبط شجرة ملتفة كثيرة الأغصان فسموا الأسباط لكثرتهم ، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة كذلك الأسباط كانوا من يعقوب ، ومثل السبط الحافد ، وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر ، وقال تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل كل سبطة أمة لا أنهم بنوه الاثنا عشر ، بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطا ، فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس ، ومن قال : الأسباط أولاد يعقوب لم يرد أنهم أولاده لصلبه ، بل أراد ذريته كما يقال : بنو إسرائيل وبنو آدم ، فتخصيص الآية ببنيه لصلبه غلط لا يدل عليه اللفظ ، ولا المعنى ، ومن ادعاه فقد أخطأ خطأ بينا ، والصواب أيضا : أن كونهم أسباطا إنما سموا به من عهد موسى للآية المتقدمة ، ومن حينئذ كانت فيهم النبوة فإنه لا يعرف أنه كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف ، ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال : ومن ذريته داود وسليمان الآيات ، فذكر يوسف ومن معه ، ولم يذكر الأسباط فلو كان إخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه ، وأيضا فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة ، وإن كان قبل النبوة كما قال عن موسى : ( ولما بلغ أشده ) الآية ، وقال في يوسف كذلك ، وفي الحديث " يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي من نبي من نبي " فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم ، وهو تعالى لما قص قصة أكرم الناس يوسف وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم ، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة ، ولا شيئا من خصائص الأنبياء ، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم ، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار ، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة من عقوق الوالد ، وقطيعة الرحم وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد [ ص: 370 ] الكفر والكذب البين ، وغير ذلك مما حكاه عنهم ، ولم يحك عنهم شيئا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجب لنبوتهم بل الذي حكاه يخالف ذلك بخلاف ما حكاه عن يوسف ، ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف لآية غافر ، ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر وظهرت أخبار نبوته ، فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي ، فهذه وجوه متعددة يقوي بعضها بعضا .
وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر وهو أيضا ، وأوصى بنقله إلى الشام فنقله موسى .
والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن أنهم هم الأسباط ، وليس كذلك ، إنما الأسباط ذريتهم الذين قطعوا أسباطا من عهد موسى ، كل سبط أمة عظيمة ، ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال : ويعقوب وبنيه فإنه أوجز وأبين ، واختير لفظ الأسباط على لفظ بني إسرائيل ؛ للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطا من عهد موسى ، هذا كله كلام ابن تيمية ، والله أعلم .