60 - تزيين الآرائك
في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملائك
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : ما تقولون في قول العلماء أنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلى الملائكة ، وفي قول الحافظ زين الدين العراقي : إن السماء ليست محلا للتكليف ، وقد أشكل ذلك بأمور ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : والخلق يعم الإنس والجن ، والملائكة ، فإن فسر بالثقلين فقط فما المخصص ؟ وقوله تعالى : ( وأرسلت إلى الخلق كافة ليكون للعالمين نذيرا ) والعالم يعم الملائكة وقوله : ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) وقد بلغ الملائكة ، وقد ورد أن الملائكة لا يفترون عن عبادة ربهم ، وورد صريحا أنهم يتعبدون بعبادات هذه الأمة كحديث : " إن أهل السماء لا يسمعون من أهل الأرض إلا الأذان " ، وحديث ابن عمر سلمان : " إذا كان الرجل في أرض فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان ، فإذا أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه " ، وقد قاتلت الملائكة الكفار ، وتحضر صلاة الجمعة وغير ذلك مما يطول ، أشكل ذلك ؟ الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، سألت أكرمك الله فأحسنت غاية الإحسان ، وأوردت فأتقنت كل الإتقان ، وأنا أجيبك عن ذلك بجوابين : أحدهما جدلي ، والآخر تحقيقي : أما الجواب الجدلي ، فقولك : الخلق يعم ، والعالمين يعم ، ومن بلغ يعم ، جوابه : أنه من العام المخصوص أو المراد به الخصوص ، وقولك : ما هو المخصص ؟ جوابه : إن مستنده الإجماع الذي ادعاه من ادعى ، وقولك : ورد أنهم لا يفترون جوابه منع الملازمة بينه وبين المدعي الذي هو بعثته إليهم ; لأن عبادتهم تكون بالأخذ عن ربهم أو بإرسال ملك من جنسهم إليهم كجبريل أو إسرافيل أو غيرهما ، قال [ ص: 169 ] تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) ، وقال تعالى : ( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) ، وقولك : ورد صريحا أنهم يتعبدون بعبادات هذه الأمة ثم أوردت حديث وليس فيه دلالة فضلا عن صراحة ; لأن أكثر ما فيه أنهم يسمعون الأذان وليس فيه أنهم يتعبدون به ، وحديث ابن عمر سلمان ظاهر فيما ذكرت مع أنه يمكن أن لا يكون ذلك صادرا عن بعثته إليهم كما تقدم ، وقولك : وقد قاتلت الملائكة الكفار فيه أيضا ما تقدم عن عدم الملازمة مع أنها لم تقاتل إلا في بدر خاصة ، وقولك : وتحضر صلاة الجمعة إنما حضرت لكتابة الحاضرين على طبقات مجيئهم وذلك من التكليفات الكونية التي هي وظيفة الملائكة لا الشرعية التي بعثت بها الرسل ، هذا آخر الجواب الجدلي ، وأما الجواب التحقيقي فاعلم أن العلماء اختلفوا في على قولين : أحدهما أنه لم يكن مبعوثا إليهم ، وبهذا جزم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملائكة الحليمي كلاهما من أئمة أصحابنا ، والبيهقي ومحمود بن حمزة الكرماني في كتابه العجائب والغرائب وهو من أئمة الحنفية ، ونقل البرهان النسفي والفخر الرازي في تفسيريهما الإجماع عليه ، وجزم به من المتأخرين زين الدين العراقي في نكته على ابن الصلاح ، والشيخ جلال الدين المحلي في شرح جمع الجوامع ، وتبعتهما في كتابي شرح التقريب في الحديث ، وشرح الكوكب الساطع في الأصول ، والقول الثاني أنه كان مبعوثا إليهم وهذا القول رجحته في كتاب الخصائص ، وقد رجحه قبلي الشيخ تقي الدين السبكي وزاد أنه صلى الله عليه وسلم مرسل إلى جميع الأنبياء والأمم السابقة ، وأن قوله : " " شامل لهم من لدن بعثت إلى الناس كافة آدم إلى قيام الساعة ، ورجحه أيضا وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات ، واستدل بشهادة الضب له بالرسالة وشهادة الحجر والشجر له ، وأزيد على ذلك أنه مرسل إلى نفسه . البارزي