بذل العسجد لسؤال المسجد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . السؤال في المسجد مكروه كراهة تنزيه ، وإعطاء السائل فيه قربة يثاب عليها وليس بمكروه فضلا عن أن يكون حراما ، هذا هو المنقول والذي دلت عليه الأحاديث ، أما النقل فقال النووي في شرح المهذب في باب الغسل : فرع لا بأس بأن يعطي السائل في المسجد شيئا لحديث [ رضي الله عنهما ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أبو بكر : دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل ، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه ) رواه هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا ، فقال أبو داود بإسناد جيد - هذا كلام شرح المهذب بحروفه ، والحديث الذي أورده فيه دليل للأمرين معا أن الصدقة عليه ليست مكروهة ، وأن ليس بمحرم لأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك بأخبار السؤال في المسجد الصديق ولم ينكره ، ولو كان حراما لم يقر عليه بل كان يمنع السائل من العود إلى السؤال في المسجد ، وبذلك يعرف أن النهي عن السؤال في المسجد إن ثبت محمول على الكراهة والتنزيه ، وهذا صارف له عن الحرمة ، قلت : ومن أخذ تحريمه من كونه مؤذيا للمصلين برفع الصوت فأكثر ما ينهض ذلك دليلا للكراهة ، وقد نص النووي في شرح المهذب على أنه يكره ولم يحكم عليه بالتحريم ، وكذا رفع الصوت بالخصومة في المسجد إذا آذى المصلين والنيام نصوا على كراهته لا تحريمه ، والحكم بالتحريم يحتاج إلى دليل واضح صحيح الإسناد غير معارض ، ثم إلى نص من أحد أئمة المذهب ، وكل من الأمرين لا سبيل إليه ، ثم رأيت رفع [ ص: 104 ] الصوت بالقراءة والذكر أبا داود استدلا بالحديث المذكور على جواز المسألة في المسجد فإنهما قالا في سننهما باب المسألة في المسجد وأوردا فيه الحديث المذكور ، وأخرجه والبيهقي الحاكم في مستدركه في كتاب الزكاة ، وقال : صحيح على شرط ، قال مسلم المنذري : وقد أخرجه في صحيحه ، مسلم في سننه ، منه حديث والنسائي عن أبي حازم سليمان الأشجعي رضي الله عنه ، قلت : وأخرجه أبي هريرة في أحكام المساجد البخاري للزركشي ، ومن الأحاديث الدالة لما قلناه ما أخرجه في الأوسط عن الطبراني قال : وقف على عمار بن ياسر سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فنزلت ( علي بن أبي طالب إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) وأخرج ابن مردويه في تفسيره عن قال : ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد والناس يصلون ، وإذا مسكين يسأل فقال : أعطاك أحد شيئا ؟ قال : نعم ذاك القائم ، قال : على أي حال أعطاك ؟ قال : وهو راكع ، قال : وذلك علي فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا الآية ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) وأخرج في تفسيره من طريق آخر عن ابن جرير قال : كان ابن عباس علي قائما يصلي فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه ، فنزلت الآية ، وأخرج أبو الشيخ بن حبان وابن مردويه في تفسيرهما عن قال : علي بن أبي طالب ( نزلت هذه الآية : ( إنما وليكم الله ورسوله ) الآية ، على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون ، فإذا سائل ، فقال : أعطاك أحد شيئا ؟ قال : لا إلا ذاك الراكع - لعلي - أعطاني خاتمه ) ، وأخرج في تفسيره ، ابن أبي حاتم في تاريخه ، عن وابن عساكر قال : تصدق سلمة بن كهيل علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت ( إنما وليكم الله ورسوله ) الآية .
فهذه خمس طرق لنزول هذه الآية الكريمة في يشد بعضها بعضا ، وأخرج التصدق على السائل في المسجد الحاكم في المستدرك وصححه في شعب الإيمان ، عن والبيهقي قال : ( حذيفة بن اليمان ) . قام سائل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسأل ، فسكت القوم ، ثم إن رجلا أعطاه فأعطاه القوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من سن خيرا فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منتقص من أجورهم
[ ص: 105 ] ثم إن النهي عن السؤال في المسجد لم يرد من طريق صحيح ، وما وقع في المدخل لابن الحاج من حديث : ( من سأل في المساجد فاحرموه ) فإنه لا أصل له ، وإنما قلنا بالكراهة أخذا من حديث النهي عن ، وقوله : إن المساجد لم تبن لهذا ، قال نشد الضالة في المسجد النووي في شرح : في هذا الحديث النهي عن نشد الضالة في المسجد ، ويلحق به ما في معناه في البيع والشراء والإجارة ونحوها وكراهة مسلم ، وأجاز رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج الناس إليه لأنه مجمعهم فلا بد لهم منه انتهى .