قال الشيخ رحمه الله : وكان - رضي الله عنه - من أحواله العزوف عن العاجلة والأزوف من الآجلة . وقد قيل : إن التصوف تطليق الدنيا بتاتا ، والإعراض عن منالها ثباتا .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، ثنا الحسن بن علي والفضل بن داود ، قالا : ثنا ، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، ثنا عبد الواحد بن زيد ، عن أسلم ، عن مرة الطيب زيد بن أرقم ، أن أبا بكر - رضي الله عنه - استسقى فأتي بإناء فيه ماء وعسل ، فلما أدناه من فيه بكى وأبكى من حوله ، فسكت وما سكتوا ، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أن لا يقدروا على مساءلته ، ثم مسح وجهه وأفاق ، فقالوا : ما هاجك على هذا البكاء ؟ قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل يدفع عنه شيئا ويقول : " إليك عني ، إليك عني " ولم أر معه أحدا فقلت : يا رسول الله أراك تدفع عنك شيئا [ ص: 31 ] ولا أرى معك أحدا ؟ قال : " ، فتنحت وقالت : أما والله لئن انفلت مني لا ينفلت من بعدك " فخشيت أن تكون قد لحقتني ، فذاك الذي أبكاني هذه الدنيا تمثلت لي بما فيها ، فقلت لها : إليك عني .