حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا الحسن بن محمد ، ثنا ، ثنا أبو زرعة إبراهيم بن العلاء بن الضحاك ، ثنا ، عن الوليد بن مسلم ابن جابر ، أن أبا عبد رب ، كان من أكثر أهل دمشق مالا ، فخرج إلى أذربيجان في تجارة ، فأمسى إلى جانب مرعى ونهر ، فنزل به ، قال أبو عبد رب : فسمعت صوتا يكثر حمد الله في ناحية من المخرج ، فاتبعته فوافيت رجلا في حفير من الأرض ، ملفوفا في [ ص: 161 ] حصير ، فسلمت عليه فقلت : من أنت يا عبد الله ؟ قال : رجل من المسلمين ، قال : قلت : ما حالتك هذه ؟ قال : ، قال : قلت : وكيف ، وإنما أنت في حصير ؟ قال : وما لي لا أحمد الله أن خلقني فأحسن خلقي ، وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام ، وألبسني العافية في أركاني ، وستر علي ما أكره ذكره أو نشره ، فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه ؟ قال : قلت : رحمك الله ، إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل ، فإنا نزول على النهر هاهنا ؟ قال : ولم ؟ قال : قلت : لتصيب من الطعام ، ولنعطيك ما يغنيك من لبس الحصير ، قال : ما بي حاجة ، قال نعمة يجب علي حمد الله فيها الوليد : فحسبت أنه قال : إن لي في أكل العشب كفاية عما قال أبو عبد رب ، فانصرفت وقد تقاصرت إلي نفسي ومقتها ، إذ أني لم أخلف بدمشق رجلا في الغنى يكاثرني ، وأنا ألتمس الزيادة فيه ، اللهم إني أتوب إليك من سوء ما أنا فيه ، قال : فبت ولم يعلم إخواني بما قد أجمعت به ، فلما كان من السحر رحلوا كنحو من رحلتهم فيما مضى ، وقدموا إلي دابتي فركبتها وصرفتها إلى دمشق وقلت : ما أنا بصادق التوبة إن أنا مضيت في متجري ، فسألني القوم فأخبرتهم ، وعاتبوني على المضي فأبيت ، قال : قال ابن جابر : فلما قدم تصدق بصامت ماله ، وتجهز به في سبيل الله ، قال ابن جابر : فحدثني بعض إخواني قال : ماكست صاحب عباء بدانق في عباءة ، أعطيته ستة وهو يقول : سبعة ، فلما أكثرت قال : ممن أنت ؟ قلت : من أهل دمشق ، قال : ما تشبه شيخا وفد علي أمس ، يقال له أبو عبد رب ، اشترى مني سبعمائة كساء بسبعة سبعة ، ما سألني أن أضع له درهما ، وسألني أن أحملها له ، فبعثت أعواني ، فما زال يفرقها بين فقراء الجيش ، فما دخل إلى منزله منها كساء ، قال ابن جابر : وكان أبو عبد رب قد تصدق بصامت ماله ، وباع عقده فتصدق بها إلا دارا بدمشق ، وكان يقول : والله لو أن نهركم هذا - يعني بردا - سال ذهبا وفضة ، من شاء خرج إليه فأخذه ، ما خرجت إليه ، ولو أنه قيل : من مس هذا العود مات ، لسرني أن أقوم إليه شوقا إلى الله وإلى رسوله ، قال ابن جابر : فوافيته ذات يوم يتوضأ على مطهرة دمشق ، فسلمت ، فرد علي [ ص: 162 ] فقال : يا طويل لا تعجل ، فانتظرته ، فلما فرغ من وضوئه أقبل علي فقال : إني أريد أن أستشيرك فأشر علي ، قال : قلت : اذكر ، قال : خرجت من صامت مالي وعقدي فلم يبق إلا داري هذه ، أعطيت بها كذا وكذا ألفا ، فما ترى ؟ قال : قلت : والله ما تدري ما بقي من عمرك ، وأخاف أن تحتاج إلى الناس ، وفي غلتها قوام لعيشك ، وتسكن في طائفة منها تسترك وتغنيك عن منازل الناس ، قال : وإن هذا لرأيك ؟ قلت : نعم ، قال : أصابك والله المثل ، قلت : وما ذاك ؟ قال : لا يخطئك من طويل حمق أو قزحة في رجله ، أبالفقر تخوفني ؟ قال ابن جابر : فباعها بمال عظيم وفرقه ، وكان مع ذلك موته ، فما وجدوا من ثمنها إلا قدر ثمن الكفن ، قال ابن جابر : ومر به رجل ممن كان يألفه فقال : أفلان ؟ قال : نعم أصلحك الله ، قال : وما ذاك ؟ قال : بلغني أنك تنمي أربعة آلاف دينار - أو قال : أربعين ألف دينار - قال : حميق ، لا عقل ولا مال ؟ .