حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي  ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف  ، ثنا  أحمد بن أبي الحواري  ، قال : سمعت أبا سليمان  ، يقول : " كنت بالعراق  أنظر إلى قصورها ، وإلى مراكبها فما تنازعني إلى شيء منها  ، وأمر بذلك الرفل فأميل عن الحمار شهوة له ، فحدثت به مضاء بن عيسى  فقال : آيسها من ذلك فلم ترده ، وأطعمها من هذه فمالت إليه "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " ما نجب إلا بطاعتهم المؤدبين وأنت تعصيني  ، قد أمرتك أن لا تفتح أصابعك في الثريد ضمها "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  ، يقول : " خير ما أكون أبدا إذا لصق بطني بظهري    "   . 
 [ ص: 274 ] قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " لم يبلغ الأبدال ما بلغوا بصوم ولا صلاة  ، ولكن بالسخاء ، وشجاعة القلوب ، وسلامة الصدور ، وذمهم أنفسهم عند أنفسهم "   . 
وقال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " لو اجتمع الناس كلهم على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما أحسنوا    "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " من صارع الدنيا صرعته    "   . 
حدثنا إسحاق  ، ثنا إبراهيم  ، ثنا أحمد  ، قال : قلت لأبي سليمان    : سألت الله تعالى بين الركن والباب أن يذهب عني شهوة الطعام والشراب واللباس والطيب والنساء ، قال : " ويحك أي شيء يعدد عليه ؟ قل : اللهم ما أزراني عندك فأذهبه عني    "   . 
قال : وسأل محمود بن خالد  أبا سليمان  وأنا حاضر ، فقال : يا أبا سليمان  ما أتقرب به إليه ؟ فبكى أبو سليمان  ثم قال : " مثلي يسأل عن هذا ؟ أقرب ما يتقرب به إليه  أن يطلع من قلبك على أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو "   . 
قال : وقلت لأبي سليمان    : يكون الرجل بإفريقية  والآخر بسمرقند  وهما أخوان  ؟ قال : " نعم " قلت : وكيف ذلك ؟ قال : " تكون نيته متى لقيه واساه ، فإذا كانت نيته كذلك فهو أخوه "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  ، يقول : " عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر    "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " الورع من الزهد بمنزلة القناعة من الرضا  ، هذا أوله وهذا أوله "   . 
حدثنا إسحاق  ، ثنا إبراهيم  ، ثنا أحمد  ، قال : سمعت أبا سليمان  ، يقول : " أهل الزهد في الدنيا على طبقتين    : منهم من يزهد في الدنيا فلا يفتح له فيها روح الآخرة ، ومنهم من إذا زهد في الدنيا فتح له فيها روح الآخرة فليس شيء أحب إليه من البقاء ليطيع "   . 
وقال لي أبو سليمان    : " لو لم يكن في ترك الأكل شيء إلا علة دخول الخلاء    ! "   . 
وقال لي أبو سليمان    : " لأن أترك لقمة واحدة من عشائي أحب إلي من أن آكلها وأقوم من أول الليل إلى آخره    "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " ما على ظهر الأرض شيء أشتهيه    "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " الثياب ثلاثة    : ثوب لله ، وثوب لنفسك ، وثوب للناس ، وهو شر الثلاثة ، فما كان لله فهو أن تجد بثلاثين وتشتري بعشرين وتقدم عشرة ، وما كان لنفسك فهو أن تريد لينه على جسدك ، وما كان للناس فهو   [ ص: 275 ] أن تريد حسنه ، وقد تجمع في الثوب الواحد لله ولنفسك "   . 
حدثنا عبد الله  ، ثنا إسحاق  ، ثنا أحمد  ، قال : سمعت أبا سليمان  ، يقول : " لأهل الطاعة بالهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم  ، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على لذة ما فاته من الطاعة فيما مضى كان ينبغي له أن يبكيه حتى يموت ، قلت له : فليس يبكي على لذة ما مضى إلا من وجد لذة ما بقي ، فقال : ليس العجب ممن يجد لذة الطاعة  ، إنما العجب ممن وجد لذتها ثم تركها كيف صبر عنها ؟ " . 
قال : وسمعت أبا سليمان  ، يقول : " يجوز لباس الصوف  لمن لبسه يريد بقاءه ويجوز لباسه في السفر ، ومن لبسه في الدنيا فلا يلبسه . . . "   . 
وقال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " صاحب العيال أعظم أجرا لأن ركعتين منه تعدل سبعين من العزب ، والمتفرغ يجد من لذة العبادة ما لا يجدها صاحب العيال  ؛ لأنه ليس في شيء يشغله عن شيء "   . 
وسمعت أبا سليمان    - وقيل له : ما له من يؤنسه في البيت فارتاع  ، وقال - : " لا أنسى الله به أبدا "   . 
حدثنا محمد بن عبد الله أبو عمر  ، ثنا محمد بن عبد الله بن معروف  ، قال : قرأت على أبي علي سهل بن علي بن سهل الدوري  ، ثنا أبو عمران موسى بن عيسى  ، قال أبو سليمان    : " أنجى الأسباب من الشر  الاعتزال في البلد الذي يعرف فيه ، والتخلص إلى خمول الذكر أين كنت ، وطول الصمت ، وقلة المخالطة ، والاعتصام بالرب ، والعض على فلق الكسر ، وما دنؤ من اللباس ما لم يكن مشهورا ، والتمسك بعنان الصبر ، والانتظار للفرج ، وترقب الموت ، والاستعداد لحسن النظر مع شدة الخوف . 
ومن دواعي الموت ذم الدنيا في العلانية ، واعتناقها في السر ، ما لم يحسن رعاية نفسه أسرع به هواه إلى الهلكة ، من لم ينظر لنفسه لم ينظر لها غيره ، لا ينفع الهالك نجاة المعصوم ، ولا يضر الناجي تلف الهالك ، يجمع الناس موقف واحد جميعا وهم فرادى  ، كل شخص منهم بنفسه مشغول وعنها وحده مسئول ، فهو بصالح عمله مسرور ، ومن   [ ص: 276 ] شر عمله مستوحش محزون ، ومرارة التقوى اليوم حلاوة في ذلك اليوم ، والأعمى من عمي بعد البصر ، والهالك من هلك في آخر سفره وقد قارب المنزل ، والخاسر من أبدى للناس صالح عمله ، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد "   . 
حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر  ، ثنا الحسين بن عبد الله بن شاكر  ، ثنا  أحمد بن أبي الحواري  ، قال : قال لي أبو سليمان    : " إن استطعت أن لا تلبس إلا لباسا يطلع الله عز وجل من قلبك أنك لا تريد دونه فافعل    " . 
حدثنا أبي ، ثنا أحمد  ، ثنا الحسين  ، قال : سمعت  أحمد بن أبي الحواري  ، يقول : سمعت أبا سليمان  ، يقول : " من سالت من عينيه قطرة - يعني دمعة - يوم الجمعة قبل الرواح  أوحى الله تعالى إلى الملك صاحب الشمال : اطو صحيفة عبدي فلا تكتب عليه خطيئة إلى مثلها من الجمعة الأخرى " ، قال أبو سليمان    : " فلقيت أبا سهل الصفار  بالبصرة  فحدثته بهذا الحديث ، فقال لي : يا أبا سليمان  إن لم يكن في بكائه شيء إلا طي الصحيفة من الجمعة إلى الجمعة فما له شيء - أي عمل - مع البكاء   . 
قال : وحدثت أبا سليمان  أنه بلغني أن  مالك بن دينار  أهدي له ركوة  فلما كان في المسجد حدثته نفسه بها أي مخافة أن تسرق الركوة فجاء فأخرجها ، فقال أبو سليمان    : " هذا من ضعف الصوفيين ، هو قد زهد في الدنيا فما عليه لو ذهبت الركوة ؟ " . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " في الجنة قيعان فإذا أخذ ابن آدم  في ذكر ربه عز وجل أخذت الملائكة في غرس الأشجار  ، فربما غرس بعضهم وأمسك بعضهم ، فيقول الذي يغرس للذي لا يغرس : ما لك يا فلان ؟ قال : فتر صاحبي "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  ، ورأى خليفة للكلبيين يوم الجمعة كانوا يلبسون عمائم صفرا وقلانس طوالا  فقال : " قد تركوكم وآخرتكم ، فاتركوهم ودنياهم "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " إن في خلق الله عز وجل خلقا ما تشغلهم الجنات وما فيها  عنه ، فكيف يشتغلون بالدنيا ؟ " . 
حدثنا عبد الله بن محمد  ، ثنا إسحاق بن أبي حسان  ، ثنا  أحمد بن أبي الحواري  ، قال : سمعت أبا سليمان  ، يقول : " ما خلق الله خلقا أهون علي من   [ ص: 277 ] إبليس  ، لولا أن الله تعالى أمرني أن أتعوذ منه ما تعوذت منه أبدا " ، وقال : " شيطان الجن أهون علي من شيطان الإنس ، شيطان الإنس يتعلق بي فيدخلني في المعصية ، وشيطان الجن إذا تعوذت منه خنس عني "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " أرأيت لو ترك شهوة فهان عليه تركها كيف لا يترك الأخرى  ؟ " ، فسكت فلم أجبه ، فقال : " لعظمتها الآن في قلبه ، ولو تركها لهانت عليه كما هانت الأخرى "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " إنما تضر الشهوة من تكلفها  ، فأما من أصابها بلا تكلف فلا تضره " ، قلت لأبي سليمان    : يعاقب على إصابة الشهوة ؟ قال : " الله تعالى أكرم أن يبيح شيئا ثم يعاقب عليه ، ولكن فيه تنقيص "   . 
حدثنا عبد الله بن محمد  ، ثنا إسحاق  ، قال : سمعت سلمة الغويطي  يقول : " إني لمشتاق إلى الموت منذ أربعين سنة منذ فارقت الحسن بن يحيى    " ، قلت له : ولم ؟ قال : " لو لم يشتق العاقل إلى لقائه عز وجل لكان ينبغي له أن يشتاق إلى الموت    " ، قال : فحدثت به أبا سليمان  فقال : ويحك : لو أعلم أن الأمر كما يقول لأحببت أن تخرج نفسي الساعة ، ولكن كيف بانقطاع الطاعة والحبس في البرزخ وإنما يلقاه بعد البعث ؟ قال أحمد    : فهو في الدنيا أحرى أن يلقاه    - يعني بالذكر -   . 
حدثنا عبد الله  ، ثنا إسحاق  ، ثنا أحمد  ، قال : سمعت بعض أصحابنا يقول - وأظنه أبا سليمان    - قال : " إن لإبليس شيطانا يقال له : المتقاضي  ، يتقاضى ابن آدم  بعد عشرين سنة ليخبر بعمل قد عمله سرا ؛ ليظهره فيربح عليه ما بين أجر السر والعلانية "   . 
حدثنا محمد بن جعفر  ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب  ، ثنا أبو حاتم  ، ثنا  أحمد بن أبي الحواري  ، قال : سمعت أبا سليمان  ، يقول : دخلنا على  سفيان الثوري  وهو في بيت بمكة  جالس في الزاوية على جلد ، فقال : " ما جاء بكم ؟ فوالله لأنا إذا لم أركم خير مني إذا رأيتكم " ، قال أبو سليمان    : ثم لم نبرح حتى تبسم ، قال أحمد    : لما جاءه الناس جاءته الغفلة    . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " من سره أن   [ ص: 278 ] يشهد يوم القيامة فليقرأ آخر الزمر    "   . 
وسمعت أبا سليمان  يقول : " القلب بمنزلة المرآة  إذا جليت لا يمر شيء من الذباب إلى الفيل إلا مثل لها "   . 
قال : وسمعت أبا سليمان  يقول : " إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب  ، وإن الجوع عنده في خزائن مدخر لا يعطيه إلا من أحب خاصة "   . 
فقلت لأبي سليمان    : صليت صلاة فوجدت لها لذة  ، فقال : " أي شيء لذلك منها ؟ " قال : قلت : لم يرني أحد ، قال : " أنت ضعيف حين خطر الناس على قلبك في الخلاء "   . 
قال : وقلت لأبي سليمان    : إني أريد من الدنيا أكثر مما أعطى  ، قال : " لكني أعطيت منها أكثر مما أريد "   . 
حدثنا أبو عمر محمد بن عبد الله  ، ثنا  أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار  ، قال : قرأت على سهل بن علي بن سهل  ، ثنا أبو عمران موسى بن علي الجصاص  ، قال : قال أبو سليمان    : " طوبى لمن حذر سكرات الهوى وثورة الغضب والفرح بشيء من الدنيا فصبر على مرارة التقوى ، وطوبى لمن لزم الجادة بالانكماش والحذر ، وتخلص من الدنيا بالثواب والهرب كهربه من السبع الكلب ، طوبى لمن استحكم أموره بالاقتصاد ، واعتقد الخير للمعاد وجعل الدنيا مزرعة  ، وتنوق في البذر ؛ ليفرح غدا بالحصاد ، طوبى لمن انتقل بقلبه من دار الغرور ، ولم يسع لها سعيها فيبرز من حظوات الدنيا وأهلها منه على بال ، اضطربت عليه الأحوال ، من ترك الدنيا للآخرة ربحهما ، ومن ترك الآخرة للدنيا خسرهما ، وكل أم يتبعها بنوها ، بنو الدنيا تسلمهم إلى خزي شديد ، ومقامع من حديد وشراب الصديد ، وبنو الآخرة تسلمهم إلى عيش رغد ونعيم الأبد في ظل ممدود وماء مسكوب وأنهار تجري بغير أخدود ، وكيف يكون حكيما من هو لها يهوى ركونا ؟ وكيف يكون راهبا من يذكر ما أسلفت يداه ولا يذوب ؟ الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية ، والفكرة في الآخرة تورث الحكمة وتحيي القلب  ، ومن نظر إلى الدنيا مولية صح عنده غرورها ، ومن نظر إليها مقبلة بزينتها شاب في قلبه حبها ، ومن تمت معرفته اجتمع همه في أمر الله ، وكان أمر الله شغله "   . 
				
						
						
