حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ، ثنا سعيد بن عثمان الخليط ، عن ، قال : إن لله لصفوة من خلقه ، وإن لله لخيرة من خلقه ، قيل له : يا أبي الفيض ذي النون المصري أبا الفيض فما علامتهم ؟ قال : إذا خلع العبد الراحة وأعطى المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة ، قيل له : يا أبا الفيض فما ؟ قال : إذا رأيته صابرا شاكرا ذاكرا فذلك علامة إقبال الله على العبد ، قيل : فما علامة إعراض الله عن العبد ؟ قال : إذا رأيته ساهيا راهبا معرضا عن ذكر الله ، فذاك حين يعرض الله عنه ، ثم قال : ويحك كفى بالمعرض عن الله وهو يعلم أن الله مقبل عليه وهو معرض عن ذكره ، قيل له : يا علامة إقبال الله عز وجل على العبد أبا الفيض فما علامة الأنس بالله ؟ قال : إذا رأيته يؤنسك بخلقه فإنه يوحشك من نفسه ، وإذا رأيته يوحشك من خلقه فإنه يؤنسك بنفسه ، ثم قال أبو الفيض : ونهاهم وحذرهم وأنذرهم ، فحرصوا على ما نهاهم الله عنه ، وطلبوا الأرزاق وقد ضمنها الله لهم ، فلا هم في أرزاقهم استزادوا ، ثم قال : عجبا لقلوبكم كيف لا تتصدع ! ولأجسامكم كيف لا تتضعضع ، إذا كنتم تسمعون ما أقول لكم وتعقلون " . الدنيا والخلق لله عبيد ، خلقهم للطاعة وضمن لهم أرزاقهم
حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا ، ثنا أبو بكر الدينوري محمد بن أحمد [ ص: 344 ] الشمشاطي ، قال : سمعت ذا النون المصري ، يقول : " بينا أنا سائر على شاطئ نيل مصر إذ أنا بجارية تدعو وهي تقول في دعائها : يا من هو عند ألسن الناطقين ، يا من هو عند قلوب الذاكرين ، يا من هو عند فكرة الحامدين ، يا من هو على نفوس الجبارين والمتكبرين ، قد علمت ما كان مني ، يا أمل المؤملين ، قال : ثم صرخت صرخة خرت مغشيا عليها ، قال : وسمعت يقول : دخلت على سواد نيل ذا النون مصر فجاءني الليل فقمت بين زروعها ، فإذا أنا بامرأة سوداء قد أقبلت إلى سنبلة ففركتها ، ثم امتنعت عليها فتركتها وبكت ، وهي تقول : يا من بذره حبا يابسا في أرضه ولم يك شيئا ، أنت الذي صيرته حشيشا ، ثم أنبته عودا قائما بتكوينك ، وجعلت فيه حبا متراكبا ، ودورته فكونته وأنت على كل شيء قدير .
وقالت : عجبت لمن هذه مشيئته كيف لا يطاع ، وعجبت لمن هذا صنعه كيف يشتكى ، فدنوت منها فقلت : من يشكو أمل المؤملين ، فقالت لي : أنت يا ، ذا النون ، إذا اعتللت فلا تجعل علتك إلى مخلوق مثلك وعليك السلام ، لا حاجة لي في مناظرة البطالين ، ثم أنشأت تقول : واطلب دواءك ممن ابتلاك
وكيف تنام العين وهي قريرة ولم تدر في أي المحلين تنزل
حدثنا محمد بن أحمد بن الصباح ، ثنا أبو بكر محمد بن خلف المؤدب - وكان من خيار عباد الله - قال : رأيت ذا النون المصري على ساحل البحر عند صخرة موسى ، فلما جن الليل خرج ، فقال : سبحان الله ، ما أعظم شأنكما ، بل شأن خالقكما أعظم منكما ومن شأنكما ، فلما تهور الليل لم يزل ينشد هذين البيتين إلى أن طلع عمود الصبح : فنظر إلى السماء والماء
اطلبوا لأنسكم مثل ما وجدت أنا
قد وجدت لي سكنا ليس هو في هواه عنا
إن بعدت قربني أو قربت منه دنا
أنشدنا عثمان بن محمد العثماني قال : أنشدني العباس بن أحمد : لذي النون المصري
إذا ارتحل الكرام إليك يوما ليلتمسوك حالا بعد حال
[ ص: 345 ] فإن رحالنا حطت لترضى بحلمك عن حلول وارتحال
أنخنا في فنائك يا إلهي إليك معرضين بلا اعتلال
فسسنا كيف شئت ولا تكلنا إلى تدبيرنا يا ذا المعالي
حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن عبيد الله ، ثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء ، ثنا أبو عثمان سعيد بن الحكم - تلميذ - قال : سئل ذي النون : ذو النون قال : اعقل ويحك ما تقول ، فإنها من مسائل الصديقين ، ما سبب الذنب ؟ ، فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت ، وإن لم تذكرها امتزجت بالوساوس فتتولد منها الشهوة وكل ذلك بعد باطن لم يظهر على الجوارح ، فإن تذكرت الشهوة ، وإلا تولد منها الطلب ، فإن تداركت الطلب وإلا تولد منه العقل . سبب الذنب النظرة ، ومن النظرة الخطرة
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد ، ثنا أحمد بن عيسى الوشاء ، قال : سمعت أبا عثمان سعيد بن الحكم يقول : سمعت يقول : بينما أنا أسير ذات ليلة ظلماء في جبال أبا الفيض ذا النون بن إبراهيم بيت المقدس إذ سمعت صوتا حزينا وبكاء جهيرا ، وهو يقول : يا وحشتاه بعد أنسنا يا غربتاه عن وطننا وافقراه بعد غنانا ، واذلاه بعد عزنا ، فتبعت الصوت حتى قربت منه ، فلم أزل أبكي لبكائه حتى إذا أصبحنا نظرت إليه فإذا رجل ناحل كالشن المحترق ، فقلت : يرحمك الله تقول مثل هذا الكلام ، فقال : دعني فقد كان لي قلب فقدته ، ثم أنشأ يقول :
قد كان لي قلب أعيش به بين الهوى فرماه الحب فاحترقا
فقلت له :
لم تشتكي ألم البلا وأنت تنتحل المحبه
إن المحب هو الصبور على البلاء لمن أحبه
هو السرور مع الشفاء لكل كربه حب الإله
حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم ، قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي بن خلف ، يقول : سمعت إسرافيل يقول : سمعت يقول : ذا النون ، وإن نطقت لم تنل بنطقك ما لا يريد ، وعلمه بمرادك ينبغي أن يغنيك عن مسألته أو ينجيك عن مطالبته " . إن سكت [ ص: 346 ] علم ما تريد
حدثنا أحمد بن محمد ، قال : سمعت أبا محمد يقول : سمعت إسرافيل يقول : سمعت يقول : سمعت بعض المتعبدين بساحل بحر ذا النون الشام ، يقول : إن ، احتملوا فيه المصائب لما يرجون عنده من الرغائب ، صحبوا الدنيا بالأشجان ، وتنعموا فيها بطول الأحزان فما نظروا إليها بعين راغب ، ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب ، خافوا البيات فأسرعوا ، ورجوا النجاة فأزمعوا ، بذكره لهجت ألسنتهم في رضى سيدهم ، نصبوا الآخرة نصب أعينهم ، وأصغوا إليها بآذان قلوبهم ، فلو رأيتهم رأيت قوما ذبلا شفاههم ، خمصا بطونهم ، حزينة قلوبهم ، ناحلة أجسامهم ، باكية أعينهم ، لم يصحبوا العلل والتسويف ، وقنعوا من الدنيا بقوت طفيف ، لبسوا من اللباس أطمارا بالية ، وسكنوا من البلاد قفارا خالية ، هربوا من الأوطان واستبدلوا الوحدة من الإخوان ، فلو رأيتهم لرأيت قوما قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر ، وفصل الأعضاء منهم بخناجر التعب ، خمص لطول السرى ، شعث لفقد الكرا ، قد وصلوا الكلال بالكلال للنقلة والارتحال . لله عبادا عرفوه بيقين من معرفته فشمروا قصدا إليه
أخبرنا أحمد قال : سمعت أبا محمد يقول : سمعت إسرافيل يقول : حضرت في الحبس وقد دخل الجلواذ بطعام له ، فقام ذا النون فنفض يده فقيل له : إن أخاك جاء به ، فقال : إنه مر على يدي ظالم ، قال : وسمعت رجلا سأل ذو النون فقال : رحمك الله ! ما الذي أنصب العباد وأضناهم ؟ فقال : ذكر المقام ، وقلة الزاد ، وخوف الحساب ، ثم سمعته يقول بعد فراغه من كلامه : ولم لا تذوب أبدان العمال وتذهل عقولهم ، والعرض على الله أمامهم ، وقراءة كتبهم بين أيديهم ، والملائكة وقوف بين يدي الجبار ينتظرون أمره في الأخيار والأشرار ، ثم قال : مثلوا هذا في نفوسهم وجعلوه نصب أعينهم ، قال : وسمعت [ ص: 347 ] ذا النون ، يقول : قال ذا النون الحسن : " . ما أخاف عليكم منع الإجابة إنما أخاف عليكم منع الدعاء
حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم ، ثنا أحمد بن محمد بن سهل الصيرفي ، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال : سمعت يقول : " إن ذا النون ، ومن الحكمة إشارة إليها " . الطبيعة النقية هي التي يكفيها من العظمة رائحتها
حدثنا أحمد بن محمد ، ثنا الحسن بن علي بن خلف قال : سمعت إسرافيل يقول : أنشدنا ذو النون بن إبراهيم المصري فقال :
وإشفاق محزون وحزن كئيب توجع بأمراض وخوف مطالب
ولوعة مشتاق وزفرة واله وسقطة مسقام بغير طبيب
وفطنة جوال وبطأة غائص ليأخذ من طيب الصفا بنصيب
ألمت بقلب حيرته طوارق من الشوق حتى ذل ذل غريب
يكاتم لي وجدا ويخفي حمية ثوت فاستكنت في قرار لبيب
خلا فهمه عن فهمه لحضوره فمن فهمه فهم عليه رقيب
يقول إذا ما شفه الشوق وأجدى بك العيش يا أنس المحب يطيب
فهذا لعمري عبد صدق مهذب صفى فاصطفى فالرب منه قريب
حدثنا أحمد قال : سمعت أبا محمد يقول : سمعت إسرافيل يقول : سمعت يقول : كتب رجل إلى عالم : ما الذي أكسبك علمك من ربك ، وما أفادك في نفسك ؟ فكتب إليه العالم : ذا النون ، وشغلت أيام عمري بطلبه ، ولم أدرك منه ما فاتني ، فكتب إليه الرجل : أثبت العلم الحجة ، وقطع عمود الشك والشبهة ، ودليل على حظه ، ووسيلة إلى درجات السعداء ، فكتب إليه العالم : أبليت إليه في طلبه جدة الشباب ، وأدركني حين علمت الضعف عن العمل به ، ولو اقتصرت منه على القليل كان لي فيه مرشد إلى السبيل . العلم نور لصاحبه
حدثنا أحمد قال : سمعت أبا محمد يقول : سمعت إسرافيل يقول : سأل رجل ذا النون المصري عن سؤال ، فقال له : " ذو النون ، وإن لم يفتح لك فاعذرني واتهم نفسك " . قلبي لك مقفل ، فإن فتح لك [ ص: 348 ] أجبتك